الألباب المغربية/ سعيد آيت حمو
يعرف العالم حاليا أحداثا لا تقبل قياسات منطقية، شبه مبهمة، تشوبها عدة أطروحات تتعايش مع نقيضاتها في كوب شاي. لقد شنت روسيا الحرب على أوكرانيا وانطلق هجومها يومه 22 فبراير 2022، والغريب هو أن الرئيس الأمريكي أكد أربعة أيام قبل ذلك أن روسيا ستشن هجومها رغم نفي بوتين ذلك… للمخابرات الروسية من الإمكانيات اللوجيستيكية والفكرية والتاريخية، بما أنها امتداد لمؤسسة الكاجيبي “KGB” المتمرسة والتي قارعت “الكيستابو” وكتائب الحراسة SS ” SCHUTZSTAFFEL ” النازيتين خلال الحرب العالمية الثانية، ما يجعلها منيعة الاختراق… هذا إن دل على شيء، يدل على الإتفاق المسبق بين الناتو وروسيا قبل شن الحرب التي لم تظهر أهدافها الحقيقية إلا يوم السابع أكتوبر 2023، يوم “اجتاحت” كتائب القسام إسرائيل وقامت بتلك “الفنطازيا” التي أعطت للدولة العبرية شرعية محو قطاع غزة من الخريطة وإبادة آلاف الأسر والأبرياء ذنبهم هو جوار كتائب القسام ورفاق هنية ومن معه…. بعدما تمادى الجيش الإسرائيلي في جرائمه وأصبح الرأي العام الدولي يستفيق من سباته والتحضير لإجماع في الإدانة، أذنت أمريكا لإيران برشق الدولة العبرية بمسيرات ورقية وبصواريخ بلاستيكية وكأن أتباع آيات الله يمرحون يوم عاشوراء… انتهت المسرحية الهزلية بقهقهات الحضور حتى الثمالة وظهر للعيان أن إيران هي فأر في جلباب مارد عملاق… وفي العمق ظهرت حقائق بين خيوط الدخان المنبعث من عوادم الطائرات المسيرة…. حقائق علت سماوات الدونباس وأوكرانيا والقرم وصحراء النقب وطهران والعقبة وكربلاء و… حقائق أصبحت بادية للعيان وميضها يكاد يعمي الأعين المعاينة…. لقد تيقن العالم أن حرب روسيا مع أوكرانيا هي من إخراج مشترك بين روسيا والناتو والولايات المتحدة، فكيف يقف الناتو مؤازرا لأوكرانيا وروسيا تقصف هذه الأخيرة بذخائر مؤازرها، وكيف تستورد دول الناتو غاز روسيا الذي تعبر أنابيبه أوكرانيا علما أن الحرب الإقتصادية لا تنفصل عن حرب الجيوش، بل هي من مسلمات الحرب. كما علت حقيقة تآمر إيران وأمريكا وإسرائيل وتركيا لإخراج مسرحية الشرق الأوسط بكل فصولها ومشاهدها… لقد كان العالم يتوجه لاستغلال طاقة بديلة للبترول في تنقلاته وسفرياته، واتجه للطاقة الكهربائية “النظيفة” وبذلك أصبح الشرق الأوسط في أسفل المراتب من ناحية القيمة وأصبح دون أي بعد إستراتيجي، ما جعل دور إسرائيل في المنطقة يتقلص بالنسبة لأمريكا التي جعلت من الدولة العبرية دركيها هناك…. بعد أزمة البترول بداية سبعينيات القرن المنصرم تبين لأمريكا أن العرب قادرين على تشكيل قوة لحماية مصالحهم، قوة يمكنها دحر إسرائيل، سيما بعد وحدة جيوشهم خلال حرب الجولان، وتبين لها أن أقوى الدول العربية تنظيما آنذاك وأقربها إلى النمو والتطور هي دولة العراق، ولتشتيت تركيز العرب ظهرت للوجود إيران المتأسلمة بتأطير ومساعدة الغرب، ودخلت في حرب طاحنة مع العراق دامت زهاء عقد من الزمن… كان الكل مقتنع أن العراق تحارب إيران نيابة عن كل العرب عموما ودول الخليج خصوصا، وكان الكل يعلم أن دول الخليج كانت تمول بغداد في حربها مع الفرس، لكن لا أحد تساءل: من مول وسلح ودرب إيران؟؟؟… بعد جائحة كوفيد، اتضح أن السيارة الكهربائية ليست هي حل العشارية المقبلة حيث أن ألمانيا مثلا كانت قد برمجت الانتهاء من تصنيع المحركات الحرارية التي تتغذى على مشتقات البترول، بنزين، غازوال، كيروزين…الخ، إبتداءا من 2035…لكن الآن، الوضع يختلف وذلك التوجه أصبح في خبر كان، وأصبح من المسلمات الإبقاء على المحرك الحراري كمحرك رئيسي في مكننة السيارات، وهنا يطفو مجددا دور إسرائيل في المنطقة، تدشن حرب في شرق أوربا بين روسيا وأوكرانيا دون أهداف مباشرة هناك، لكن هدفها الحقيقي هو التغطية على توسع إسرائيل بهضم قطاع غزة… باتفاق مع هنية ورفاقه تضع حماس جيش إسرائيل في وضع المدافع عن النفس والشرف والأمن… تصبح إبادة الشعب الفلسطيني الأعزل مشروعة قانونا وشرعا…. تتمادى إسرائيل في التقتيل والإبادة، لا تحرك تركيا أردوغان، الذي يجود القرآن أينما حل وارتحل، يعانق المستضعفين ويشد أزر المسلمين، ساكنة ضريرة كفيفة بها صمم خرساء، غير مبالية لا بدين الأمة ولا بتاريخ الإمبراطورية التي حكمت المنطقة لقرون…. فضائع إسرائيل دفعت الضمائر الحية تغزوا كبريات العواصم الغربية منددة، توجهت الجمعيات الحقوقية للمحاكم الجنائية الدولية بسويسرا وألمانيا وهولندا و…. مدافعة عن الحق في الحياة ومطالبة بالقصاص من مجرمي الحرب دافعة بجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب… تحركت بعض المحاكم وقبلت الدعاوى، هنا كان لزاما على أمريكا أن تلبس إسرائيل ثوب الضحية، وهنا اعتلت إيران، بعد إذن الآمرين، خشبة مسرح الشرق الأوسط وأعطت إسرائيل شهادة الضحية التي صادق العالم عليها…
لقد ملت الضمائر الحية هذه المهازل السياسية، وأصبحت مراجعة التوجهات السياسية لأغلب الدول ضرورة حتمية… والآن، تعرف العالم على هوية كل الأطراف، سقط القناع عن حماس بكتائبها وبفصائلها وما هي إلا مروحة تهش بها إسرائيل على الذباب الذي يزعجها كحزب الله وغيره، وظهر وجه إيران الحقيقي وهي في الواقع تلك الفزاعة المصنوعة من الدوم في حقول الخليج، تهابها طيور الزرزور، تحمي المحاصيل لفائدة الكومبرادور الأمريكي…. وظهر جليا أن تأسلم أردوغان ما هو إلا أكسسوار سياسي….. ألخ…. لقد ظهر الحق ولاح نور النهار وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود….