الألباب المغربية/ يونس المنصوري
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، حيث تغيرت طرق التواصل والتفاعل بين الأفراد بشكل جذري. ورغم الفوائد التي جلبتها هذه الوسائل من تقارب بين الناس وفتح آفاق جديدة للتواصل، إلا أنها جلبت معها تحديات كبيرة على مستوى التماسك الاجتماعي. ففي الوقت الذي تسهل فيه هذه الوسائل الاتصال بين أفراد المجتمع، إلا أنها تساهم أيضًا في تعزيز الانقسامات والتباعد الاجتماعي في بعض الأحيان.
أحد أكبر التحديات التي تطرحها وسائل التواصل الاجتماعي هو الاستقطاب الفكري الذي تخلقه هذه المنصات. فبفضل الخوارزميات التي تعرض لنا محتوى يتماشى مع اهتماماتنا، أصبحنا محاطين بأفكار مشابهة لآرائنا وتوجهاتنا، مما يجعل من الصعب فتح نقاشات حقيقية مع من يختلفون عنا. هذه العزلة الفكرية تساهم في زيادة التوترات الاجتماعية وتعزز الانقسامات بين فئات المجتمع.
أيضًا، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في نشر ثقافة المظاهر والتفاخر بحياة مثالية. في هذا السياق، أصبح الأفراد يعرضون صورًا مثالية عن حياتهم على هذه المنصات، مما يخلق ضغطًا نفسيًا خاصة على الشباب الذين يقارنون حياتهم بحياة الآخرين. هذا التنافس على المظاهر أدى إلى تراجع الاهتمام بالقيم الإنسانية العميقة، مثل التعاون والتعاطف، والتي كانت أساسًا لخلق تماسك اجتماعي حقيقي في المجتمعات.
من جهة أخرى، تقدم وسائل التواصل الاجتماعي فرصًا كبيرة للمجتمعات لمواجهة الأزمات والتحديات. ففي أوقات الأزمات، يمكن لهذه المنصات أن تكون أداة فعالة لنشر الوعي والتضامن الجماعي، مما يساعد في تحفيز العمل المشترك. لكن في بعض الأحيان، تصبح هذه الفرص سطحية وغير مؤثرة إذا تم الاكتفاء بنشر الهاشتاغات والتعليقات، دون العمل الفعلي على الأرض.
استعادة التماسك الاجتماعي في عصر وسائل التواصل الاجتماعي يتطلب منا توازنًا بين العالمين الافتراضي والواقعي. علينا أن نعيد بناء اللقاءات الحقيقية التي تعزز التفاعل الشخصي، وكذلك تشجيع الحوار البناء بين جميع أطياف المجتمع. وفي الوقت نفسه، يجب أن نكون حذرين من الانعزال الفكري الذي قد تخلقه هذه الوسائل، وأن نبحث عن طرق لتعزيز التواصل الفعلي والمشاركة المجتمعية التي تضمن استقرار العلاقات وتماسك المجتمع ككل.
إن وسائل التواصل الاجتماعي تظل أداة قوية، إذا استخدمناها بحذر ووعي، ويمكن أن تسهم في بناء مجتمعات أكثر تلاحمًا وتعاونًا. لكن هذا لن يتحقق إلا إذا عملنا على تجاوز تحدياتها وتحقيق توازن بين التفاعل الرقمي والإنساني.