الألباب المغربية
يعتقد البعض أن مفهوم حقوق الإنسان لم يعرفه الغرب إلا في القرن السابع عشر تقريبًا، غير أن الفكرة نفسها لم تتبلور لدى الغرب إلا في القرن الثالث عشر أي بعد ظهور الإسلام بنحو سبعة قرون وربما لم تعرف الولايات المتحدة الأمريكية تلك الحقوق إلا في القرن الثامن عشر.
وإذا تحدثنا عن منشأ حقوق الإنسان في الفكر الغربي، نجد أنها ولدت من رحم ما أسموه بـ “الحق الطبيعي”( أي مجموعة الحقوق التي يكتسبها الفرد بالطبيعة وهي من أفكار فلاسفة اليونان القدامى) والذي أقروه عوضًا عن قوانين الكنيسة القمعية، حيث ينبع “الحق الطبيعي” من السيادة المطلقة للإنسان الذي لا تعلوه أي سيادة أخرى، وفق معتقدهم.
وقد ارتبطت حقوق الإنسان في الغرب بالحرية الفردية الخاصة بالإنسان الغربي (الغربي فقط) وليست حقوقًا لكل البشر حتى وإن ادعى واضعوها عكس ذلك. صحيح أنها تدعو ليل نهار إلى احترام الحريات؛ إلا أنها لم تنجح يومًا على مدى التاريخ الغربي الإمبريالي أن تتعامل مع الناس بمساواة وعدل دون محاباة للرأسمالية والمصالح والنفعية وإن جاء ذلك على حساب إبادة شعوب كشعب الهنود الحمر في أمريكا أو على الأقل استغلال الضعفاء والمقهورين والأمثلة على ذلك في العالم العربي لا تخفى على أحد.
على وجه العموم، لم يتم صك مفهوم حقوق الإنسان في الفكر السياسي الغربي كمصطلح إلا مع ظهور عدد من الوثائق السياسية التي حملت هذا الاسم؛ مثل إعلان الثورة الفرنسية عام 1790 وإعلان حقوق الإنسان بالولايات المتحدة عام 1776. وقد بدأ استخدام مفهوم “الحق” بصورة مصطلحية مع كتابات مفكري نظرية “العقد الاجتماعي” هوبز ولوك وروسو، وكان ثلاثتهم من رواد مفكري عصر النهضة الذين سعوا لفصل العملية السياسية والدولة عن سلطان الكنيسة.
وإذا انتقلنا إلى حقوق الإنسان الشرعية وفق منظومة الحقوق في الإسلام؛ نجد أنها منظومة فاعلة تنسجم بسلاسة مع الفطرة الإنسانية، وتحدد الحقوق والواجبات وكيفية الوفاء بهم وكذلك الضمانات التي يتم من خلالها إبراز تلك الحقوق.
إن الحق في الإسلام كما يحفظ للفرد حق الحياة والعدل والحرية والملكية والأعراض؛ فإنه يحرم كافة أشكال الجريمة والرذيلة والفساد التجاري والمالي ليحمي الضعيف من سيطرة القوي ويوقع العقاب الملائم للشخص المذنب ويلزم الدولة برعاية جميع الأفراد دون النظر إلى أعراقهم أو دياناتهم أو جنسهم أو لونهم.
يقول عز وجل: {قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ} (الأنعام:الاية 104)؛ والبصائر يقصد بها البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مثل قوله تعالى : {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها} (الإسراء: الاية 15 ).
فالميزة الخاصة بالحقوق في الإسلام هي شموليتها وعالميتها؛ فتضم حقوقا سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية؛ كما أنها تضم في منظومتها حقا لم تعرفه الأنظمة الوضعية قط وهو حق الكفاية الذي يضمن لكل شخص يعيش تحت ظل الدولة الإسلامية أن يحصل على ما يكفيه من مقومات الحياة حتى يحيا حياة كريمة غير مهينة لإنسانيته.
وإذا كانت حقوق الإنسان في الغرب قد جاءت وضعية لخدمة الإنسان الغربي، فإن حقوق الإنسان في التشريع الإسلامي جاءت لخدمة الإنسان في كل زمان ومكان ليصل إلى منتهى عبوديته لله الخالق عز وجل.
في الختام يظل مفهوم الإنسان هو الإشكالية التي تم من خلالها التعامل مع حقوقه فبينما اعتمدت الشريعة الإسلامية على مفهوم الأخوة بين المؤمنين والتراحم والتكافل والرحمة داخل المجتمع، أقام الغرب حقوقه على أساس من التنافسية والصراع والمنفعة والتي يحتكم فيها إلى القانون الوضعي فقط، ما يعني أنها محض قوانين قد لا يلتزم بها المخالفون وقد يلحقون الضرر بغيرهم إذا ما غفل عنهم قانون البشر. قال تعالى: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين * وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} (النمل:الاية 13-14).