الألباب المغربية/ ذ/ الحسين بكار السباعي*
يأتي بلاغ المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بعد اجتماعه الأخير ليومه الأربعاء فاتح أكتوبر 2025، ليعكس حرص هذه المؤسسة الدستورية على التمسك بمرجعيتها الحقوقية، مؤكدا أن الحق في التجمع السلمي مكتسب دستوري وكوني لا يمكن التراجع عنه، ومشددا في الآن ذاته على مسؤولية جميع الأطراف في ضمان سلمية الإحتجاج وصيانة النظام العام. غير أن القراءة المتأنية تكشف عن خطاب متوازن إلى حد الحذر، إذ يقر المجلس بوجود إنزلاقات خطيرة وعنف مؤسف أودى بأرواح مواطنين، دون أن يلامس بعمق مسؤولية التدخلات الأمنية التي أفضت إلى سقوط قتلى بالرصاص الحي، وهو ما يضع المؤسسة أمام إمتحان صعب بين التزاماتها الحقوقية وضغوط السياق السياسي والأمني.
وإذ ينبه المجلس إلى الفضاء الرقمي بإعتباره اليوم الحاضن الأول لتعبيرات الشباب، فإنه يثير في الآن ذاته إشكالية حساسة تتعلق بحدود التمييز بين التعبير المشروع والدعوات المنظمة للعنف أو الإختراقات الخارجية، مما يستدعي تطوير آليات رصد دقيقة تحفظ حرية التعبير وتحصنها من التوظيف العدائي. كما أن إشادته بالإفراج عن عدد من المحتجين وتأكيده على ضرورة التحقيق في الإنتهاكات الماسة بالسلامة الجسدية يشكلان إشارات إيجابية، لكنها تبقى دون مستوى تطلعات الرأي العام الحقوقي الذي ينتظر مواقف أكثر حزما في مساءلة السياسات العمومية المرتبطة بالتعامل مع الإحتجاجات.
إن استشراف القادم من الأيام، يضع المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمام رهان تعزيز وساطته كجسر حوار مباشر مع الشباب المحتج بما يجنب الوطن منزلقات العنف ويدفع نحو استعادة الثقة من جهة، ومن جهة أخرى العمل على تطوير منهجية رصد حقوقي، يزاوج بين الميدان الواقعي والفضاء الرقمي بشكل يحفظ الحق في التعبير ويقطع الطريق أمام الدعوات التخريبية. فالمشهد الراهن لا يحتمل مقاربة شكلية، بل يستدعي جرأة مؤسساتية قادرة على تحويل مبادئ الدستور إلى واقع ملموس يعزز الإختيار الديمقراطي ويكرس الطمأنينة الاجتماعية.
*محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان