عزيز لعويسي
سيرا على خطى والده جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، الذي طالما ناضل من أجل وحدة إفريقيا وأمن واستقرار وازدهار شعوبها، يراهن جلالة الملك محمد السادس منذ جلوسه على العرش، على مد جسور الأخوة والصداقة والتضامن والتعاون المشترك نحو البلدان الإفريقية، في إطار رؤية متبصرة، داعمة للحضور المغربي في عمقه الإفريقي، ودافعة في اتجاه بناء إفريقيا موحدة ومستقرة ومزدهرة ومتضامنة، في إطار علاقات ثنائية ومتعددة الأطراف، مبنية على قاعدة “رابح .. رابح”، كان من ثمارها، أن تحول المغرب إلى لاعب قوي، يحظى بالثقة والمصداقية في الملعب الإفريقي، لما قدمه ويقدمه لإفريقيا من خبرات وإمكانات استثمارية، وضعت الكثير من البلدان الإفريقية الشقيقة والصديقة، على سكة البناء والنماء.
ويراهن العاهل المغربي اليوم، على جعل إفريقيا وخاصة منطقة الغرب الإفريقي في صلب معركة الإقلاع التنموي الاجتماعي والاقتصادي، برهانه على واحد من المشاريع الطاقية العملاقة عبر العالم، ويتعلق الأمر بأنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، الذي سيكون بدون شك، مشروعا استراتيجيا لمنطقة غرب إفريقيا برمتها، والتي تتجاوز ساكنتها 440 مليون نسمة، لما سيتيحه من فرص وإمكانات اقتصادية وطاقية وتنموية، بالنسبة للدول الخمسة عشر للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، إضافة إلى موريتانيا والمغرب، كما أكد ذلك جلالة الملك، في خطاب الذكرى 47 لذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، وهذا المشروع، سيحرر بلدان المنطقة من شبح التشرذم والتفرقة والانفصال والإرهاب والتغييرات غير الدستورية، ويدفعها بالتالي في اتجاه الوحدة والاندماج والتعاون المشترك، في ظل سياق جيوسياسي إقليمي ودولي، لا يؤمن إلا بلغة الوحدة التعاون والاندماج والمصالح والمنافع المشتركة.
وإذا كان المغرب يراهن على “أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا” أو “أنبوب النماء” من أجل إفريقيا موحدة ومستقرة ومزدهرة، فإن نظام الشر، ظل منذ ما يزيد عن الأربعة عقـود، يراهن على مد “أنبوب العــداء” نحو إفريقيا، بإصراره على إرباكها وعرقلة طموحها المشـروع نحو الإقلاع والنهوض، برهانه على رعاية واحتضان وتسليح جماعة انفصالية إرهابية، لاستهداف أمن ووحدة واستقرار دولة محورية ووازنة في إفريقيا بوزن وحجم وقيمة المغرب، الذي شاء من شاء وأبى من أبى، يبقى مثالا للنجاح الإفريقي، وهذا النظام الفاقد للبوصلة، بات اليوم، أكبر عابث بوحدة إفريقيا وأكبر مهدد لأمنها ووحدتها واستقرارها وأكبر معرقل لتنميتها، ويكفي قولا، أنه حول الاتحاد الإفريقي إلى فرق وشيع وخوارج إذا ما صح التوصيف، بتماديه في دعم وجود الكيان الوهمي في المنتظم الإفريقي، بكل الوسائل والطرق القدرة، ضدا على الإجماع الإفريقي.
النظام العدائي بالجارة الشرقية، كنا نتمنى أن يقطع بشكل لا رجعة فيه “أنبوب العداء”، كما قطع “أنبوب الغاز المغرب العربي”، وكنا نأمل أن يطرح سلاح الحقد والعناد، وينتبه ولو مــرة، إلى ما تحمله ويتحمله طيلة عقـود من الزمن، من تكلفة مادية باهظة، لقــاء رهانه على “جماعة وهمية” تقوده نحـو حافة الإفــلاس السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والأخلاقي، وتقود المنطقة برمتها، نحو ضفاف الارتباك والتوتر والفوضى، ومهما حاولنا قراءة أرقام هذه التكلفة المادية، فأرقامها لن تكون إلا مخيفة ومرعبة، كـــان بالإمكان تسخيرها، في مد “أنبوب البناء والنماء”، خدمة لقطار مغاربي تعطلت عجلاته منذ سنوات عجاف، كان يعول عليه لبناء فضاء مغاربي موحد ومندمج ومزدهر، وحرصا على لم حقيقي للشمل العربي، وإسهاما في وحدة الصف الإفريقي وتنمية إفريقيا وازهـارها.
لكن “ليس كل ما يتمناه المرؤ يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن “كما قال الشاعر، وسفينة هذا النظام الأرعن، اشتهت وتشتهـي أن يبقى “أنبوب العداء”، ممتدا نحو الفضاء المغاربي والعالم العربي والاتحاد الإفريقي، راسما حالة من العبث والتوجس والقلق والإرباك والارتباك، تعرقل الطموح المشروع لإفريقيا في الافتكاك من مخالب الشقاق والانشقاق، وبلوغ التنمية المنشودة، وتفرمل أية مساعي عربية، تـروم لم الشمل العربي، ويبقى الرابح الأكبــر من وراء هذا الأنبوب العدائي، هو القوى الدولية والإقليمية المتربصة بالعرب والأفارقة، والتي يسعدها نظام فاقد للبوصلة، ينوب عنها في ممارسة سياسة “التشتيت” و”التشرذم” و”التفرقة” و”الإرباك”، خدمة لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة.
إفريقيا اليوم ليست كإفريقيا الأمس، وسياسة شراء الذمم والمواقف، عبر إشهار سلاح الشيكات والأموال القدرة، لدعم “جمهورية الوهم والسراب” داخل المنتظم الإفريقي، لم تعد تجدي ولا تنفع، بعدما بات الأفارقة، أو أغلبيتهم على الأقل، مقتنعون أكثر من أي وقت مضى، أن طريق الخلاص الإفريقي من التحكم والتبعية، يمر قطعا عبر الجنوح الذي لا محيد عنه، نحو كل المبادرات الخلاقة والمبتكرة التي من شأنها لم الشمل وتوحيد الصف، وخدمة النماء الإفريقي، وإذا كانت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “إيكواس” ومعها المغرب وموريتانيا، قد آمنت بمشروع الغاز المغرب-نيجيريا، وانخرطت عن طواعية في أولى حلقات مسلسل تنزيله، فلأنها تدرك تمام الإدراك، أن مصلحة إفريقيا في الوحدة والأمن والاستقرار، والانخراط في مشاريع تنموية عملاقة، قادرة على جعل الشعوب الإفريقية في صلب التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، وبهذه الرؤية التنموية الاستراتيجية، تبعث بلدان الغرب الإفريقي برمتها، رسالة مفتوحة بعنوانين عريضين: “إدانة عصابة تندوف وراعيها الرسمي”، و”الاعتراف بمغربية الصحراء وسيادة المغرب على كافة ترابـه”.. ونختم بالقول، أن “الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه”، ولا عزاء للحاقدين والحاسدين والمفلسين.. انتهى الكلام..