الألباب المغربية – محمد عبيد
قال إيه؟.. قال سخافة هز وحط ياوز ناشطة… ولو أن الشعب عْيا معها ما يرش… لا يحتاج لمن يزوق وينمق له في مثل هذه المناسبات المهيجات والمهرجانات المميعات امام جوع الكرش…
فعن “صيادي الصحافة” اتحدث.. ذلك حين نتمعن في واقع مهنة او ممارسة الصحافة، فنقف على إن عدد من يزاولونها اليوم ركبوا الموجة بمحض الصدفة يثير الاستغراب،حيث منهم من أجبرتهم الظروف المعيشية وأمام استفطغلال التقرب من جهات وخصوعهم لتوجهيتها وإملاءاتها على ذلك، الأمر الذي ساهم في ظهور صحافة هجينة حتى أصبحت رفيقة المصالح والتستر عن الفضائح وتجاوز الأزمات.. حيث الساحة الإعلامية امتلأت بأشخاص يجهلون ضوابط العمل، يقتنصون فرص المناسبات لا الأحداث، همهم الارتزاق قبل كل شيء. ويوجد من هم أخطر من ذلك، يعملون بصمت خلف الكواليس باعتبارهم موظفين داخل إدارة او جماعة! ومن بينهم قد تصاف رؤساء أقسام، لكن في الواقع لا علاقة لهم بالمهنة إطلاقا، بعضهم دخلها بعد الفشل في التعليم، حتى أنه يجهل أدنى قواعد اللغة!
.
معظم صحفيينا وبالاخص المحليين منهم المراسلين هواة، وفوق ذلك اشتهروا بممارَسة الصحافة من أجل المردود المادي، إذ لا توجد تغطية مجانية، ونشرتهم الإعلامية لا تعرف السبق الصحفي، وبالتالي ترى في الإعلام الرسمي الأنبوب الرئيسي لنقل المعلومة”، معتمدين نهج الاسترزاق الذي يمارسه بعض ممتهني الصحافة حين يجعلهم رهن إرادات من يدفع أكثر، وتأثير ذلك واضح، بحيث يتم “تجيير بلاندوي” من يدفع أكثر وإعطاء الأولوية للأقل أهمية بدل المهم”… متسلطون على الجسم الصحفي في عدد من المنابر والمواقع الإعلامية معلومات في بيئاتهم لدى الخاص والعام ليست لهم القدرة على صناعة محتوى عميق يلامس احتياجات الجمهور، حيث نشراتهم ظلت رهينة المال الفاسد او على الاقل السايب يتقربون من بارونات السياسة، ولا يحركون ساكنا إلا إذا تعلق الأمر بأخبار ذوي الجاه والنفوذ.
وكم تعظم الإثارة ومع الدهشة عن واقع مهنة الصحافة خاصة على المستوى المحلي أو الإقليمي (نموذجا بآزرو إقليم إفران ككل)، حين نعلم ان هناك من بين من يزاولونها اليوم ركبوا الموجة بمحض الصدفة، كون الظروف المعيشية اجبرتهم على ذلك، الأمر الذي ساهم في ظهور صحافة هجينة أصبحت رفيقة الأزمات.
هكذا وجد أحدهم على الاقل نفسه، عندما فشل في اجتياز مستوى الشهادة الإبتدائية رغم محاولاته المتكررة، فهو لا يفقه حرفا من قواعد الصحافة، لتنطبق عليه مقولة “كأنك يا أبا زيد ما غزيت”..
وعلق احد العارفين بهذا الشخص: “لو كنتُ مكانه إبتعدت عن الصحافةعلى الفور وعدتُ إلى مقاعد الدراسة”.
للاسف هو واقع الحال حين ابتليت الصحافة بجهة فاس مكناس بأشخاص، لا علاقة لهم بمهنة الصحافة (مهنة المتاعب)، المهنة النبيلة والشريفة، التي مع الأسف حولوها إلى مهنة للابتزاز وإلاسترزاق والتشهير، فاختلط الحابل بالنابل كما يقال، وهذا هو حال الصحافة باقليم إفران ، حيث أن أغلب هؤلاء المرتزقة اعتبروا هذا المجال مهنة من لا مهنة له، إذ استطاعوا بحيلهم ومكرهم أن ينشجوا خيوطهم على عدد من رجال السلطة رؤساء المصالح الحكومية والمستشارين الجماعيين والبرلمانيين.
أشباه الصحفيين، هم أشخاص دخلوا الميدان من قبيل الصدفة، وذلك بعد أن عرفوا أن الصحافة تذر دخلا مهما على بعض العينات الموبوءة والمستغلة لموقعها ومنابرها، إنهم رجال لا يملكون مؤهلا علميا ولا يدركون الأبجديات الأولى للكتابة وبالتالي يبحثون عن من يكتب لهم مقالاتهم ويتعاملون مع سماسرة لكي يروجوا لكتاباتهم الفاسدة في أوساط تخشى أن يسمع عنها مكروه و تفوح رائحتها.
يتسللون الى إحدى النقابات متخذين اياها سترة لضعف مؤهلاتهم، و لازموا المناسبات والمهرجانات لكي يضمنوا حصتهم من الكعكة في مدينة او جماعة تفشى فيها الفقر وضعف التنمية الاجتماعية والبنيوية، وضاقت بها ظروف العيش الكريم، صاروا هم من يحكمون عالمها بعد أن تطفأ الأنوار.
أشباه الصحفيين بمعنى (السخفيين)، رجال بدون مبادئ، يشبهون المراهقين، يتشدقون بكلام تافه، ف”أصحابنا” يتاجرون في مقالاتهم، ويبيعون المعلومة التي هي من حق الجميع، فصاروا يساومون على كتاباتهم أصحاب الأمر، وبدل أن يجسدوا السلطة الرابعة في تنوير الرأي العام، يضعون الأظرفة المشحونة بالأوراق النقدية في جيوبهم بلا عيب أو حشمة بلا احيانا بل الأنكى ان منهم من يفرض الاداء بدعوى التعويض وان استغفلهم المستدعون لهم لتغطية المناسبة، اقاموا ضجة وقيامة بالمدينة وبمقر الجهة التي كانت قد دعتهم لتغطية نشاطها كممثل لمنبر اعلامي، بعضهم يتركون الناس في دار غفلون..
المهم هو كم صار رقم حسابهم وليس تحسين وضع الإقليم او البلاد؟…
للاسف تميعت بعدد من المناطق والاقليم، ومن ابرزها إقليم افران استفحال وانتشار صحافة المناسبات، تبدأ من نشر فيديو صامت لتسليط الوان قوس قزح في مدح جاهة وعطوة، وصلحة عشائرية، او مقال مدح في مسؤول ترابي او رئيس بلدية وشيخ عشائري، وشيخ جامع، و مقال مديح في دكتور جامعة ومذيع تلفزيون، رئيس حكومة ونائب، ووزير وامين عام ومدير عام، ورئيس مفوضية .. والخ..
صحافة المناسبات ذهبت ضحيتها الصحافة الملتزمة والرزينة والمسؤولة، وذهب ضحيتها صحفيون غسلوا مهنتهم وعقموها احتراما وعرفانا بجدوى المهنة في زمن اليوم طغت به اقلام وعواميد المناسبات والمديح.
مقالات تنشر في مواقع اخبارية وصحف، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكتاب مقالات المناسبات سرعان ما يبرقون في ارسالها على الواتس ومجموعات الواتس اب، وفي اليوم الواحد احدهم يصرف مقالين وثلاث مقالات في مدح فلان وعلان.
هكذا صارت صحافة المناسبات تلقى تفاعلا قوي فلقد أَسَرَّ لي صديق ان مسؤولين يتابعونها مادامت تلمع صورهم وتتحاشى فضائحهم، وأحيانا يلجؤون إلى وسطاء سريين لكي تكتب عنهم مقالات ثناء وتمجيد ومديح، ويوزعونها على الواتس اب، ويلتقون مع كاتب المقال ويتصورون معه، وينشرون الصور على الفيسبوك ويعلقون عليها بكلام طري ورخيم وكلام مكرر يصلح لكل زمان ومكان… ويشاركون توزيعها واعادة نشرها على جروب العائلة والعشيرة، ويوصون الاقارب والمحاسيب بإعادة نشرها وتوزيعها على أوسع نطاق وبأكبر قدر ممكن.. بتوسيع مشاركتها على الفايسبوك ونثرها على جروبات الواتس اب..
قبل ايام قرأت مقالا على موقع اخباري، كاتب المقال يمتدح مسؤولا، وفي نهاية المقال يبدو ان الكاتب خربط في مسؤول ثان، واستبدل معلومات عامة عن المسؤول الاول بواحد اخر.
وفضولي الصحفي دفعني إلى الدخول لجوجل، والبحث في ارشيف الكاتب العبقري الكبير، وتبين لي ان المقال منسوخ “كوبي بيست” عن مقال سابق منشور قبل أسابيع يمتدح مسؤولا آخر. والكاتب الكبير ياختصار شديد يقوم فقط بتغيير الأسماء، ويكمل المقال كما هو بأخطائه الإملائية والنحوية والتركيبية.. ويرفع وينصب ويجر بالأسماء والافعال ويختلط عليه التفريق على الأقل في كتابة التاء متى تكون مبسوطة (الأفعال) ومتى نكون مربوطة (الاسماء)!!! وكما لو ان القراء والأشخاص المكتوب عنهم لا يفقهون من اللغة حرفا وكلمة.
مهنة الصحافة لربما الوحيدة للتي لا تعرف في خطاياها وعثراتها وذنوبها لمن توجه السؤال عن المحاسبة والمساءلة.. وتوجه سؤالا مؤلما وموجعا عن مهنة تحولت لصحافة المناسبات والمديح، وأشبه ما تكون للردح، وأحيانا يتم توجيه هؤلاء لكي يهاجموا الكاتب الفلاني الملتزم والمهني لأنه انتقد مسؤولا فلانيا، ولانه انتقد واقع الشؤون المحلية أو الإقليمية واحيانا الحكومة والبرلمان، وانتقد قرارا وسياسة رسمية عامة.
في مهنة الصحافة المسافة بين المدنس والمقدس صفرية.. ولطالما كنا في الصحافة ضحايا للمدنس، وكم دفعنا ثمنا لمواقفنا وآرائنا الحرة والمهنية..
ودفعنا من قوت عيشنا فاتورة الدفاع عن قيم الإعلام المهني والمتلزم، والوقوف في خندق قيم الحرية والعدالة، والكرامة الوطنية، وهيبة الكلمة والحبر، والورق