الألباب المغربية/محمد عبيد
“وا كثرتوا كي الببوش!”… هي مستملحة ورد هزلي جاء على لسان الفنان الممثل الفكاهي مصطفى الداسوكين وفي واقعة حقيقية خلال الثمانينات من القرن الماضي والذي ما أن كان قد جلس في إحدى المقاهي بالدارالبيضاء حتى تهافت عليه بشكل مثير عدد من “ماسحي الأحذية” رغبة منهم في ذهن وتلميع حذائه.
وهذه العبارة تستحق طبعها على واقع الإعلام والصحافة الآن في بلدنا، حيث استفحلت ظاهرة حاملي البونيطات والكاميرا المقتحمين في تزاحم والمتهافتين على المناسبات تحت مظلة مشبوهة “صحفي” او “مراسل صحفي” ومشوهين المجال الذي يتبرأ منهم براءة الذئب من دم يوسف لعدة اعتبارات وضوابط… مما أدى إلى استغلال الفرصة من قبل بعض قادة الإعلام والصحافة بالمغرب للتخلص من دورهم الحقيقي في الإقرار بصفة عامة للعاملين أو المنتسبين للجسم الصحفي، وتعمدوا عن قصد مع سبق الإصرار والترصد التفرقة، وبالتالي أوقع المجال في فساد كان الأولى محاربته قبل ادعاء محاربة فساد في مجالات وقطاعات أخرى.. حتى لا تنبطق عليهم المقولة الشعبية: “لو كان الخوخ يداوي، كن راه دوا راسو؟!”
وحتى نضع المتلقي العادي في الصورة عن المراسل الصحفي، فهذا الكائن الصحفي اليوم هو الشريان الحقيقي، وهو صحفي ميداني لأي مؤسسة إعلامية، لأنه على دراية بما يحدث في منطقته، ينقل انشغالات المواطنين وينتظر الرد من طرف الإدارة المخولة لذلك، كما يعمل بمؤسسات إعلامية من دون تأمينات ولا عقود ولا راتب او تعويضات على الأقل، ومن الطبيعي أن تؤثر هذه العوامل على مردوده لأن مهنة الصحافة شاقة ومتعبة للغاية. ورغم المجهوادت الكبيرة التي يبذلها المراسل فإنه لايزال مهمشا، حيث يعاني العديد منهم من المتابعات القضائية… لذا يجب على كل الأطياف الإعلامية التي ينتمي لها هؤلاء المراسلون أن تعيد النظر في أوضاعهم خاصة المهنية والمتعلقة أساسا بالراتب او التعويض والتأمين.
ففي ظل التكتم والأبواب الموصدة من قبل بعض الإدارات، تبقى وصول المراسل الصحفي إلى المعلومة يشكل له معاناة… فالمعلومة المسؤولة هي غاية تمنح للمراسل الصحفي مواد إعلامية قانونية تسيّره وتحمي حقوقه وعمله.
فإذا كانت الصحافة هي مهنة البحث عن الحقيقة، فإن البحث عن الحقيقة من خلال الأخبار يجعل المراسل الصحفي يعيش حالة مستمرة من الترقب والانتظار والتوقع واليأس والإحباط والانتصار والانكسار، مما يسبب له التعب والإنهاك الذي يؤدي بالدرجة الأولى إلى الإصابة بأمراض القلب وغيرها..
والمراسل الصحفي اليوم يتواجد مع صناع القرار لنقل انشغالات المواطن البسيط إلى المسؤولين بالدرجة الأولى، فهم النخبة المؤثرة في دواليب الدولة.
المراسل الصحفي لا يكره كلمة مراسل وإنما العمل الذي يؤديه يعتبره الكثيرون ومن بينهم الصحفيين والمؤسسات الإعلامية أقل درجة من الصحفيين، رغم أن المراسل يقوم بجهد أكثر من الصحفيين ذاتهم، المراسل يكره التمييز وليست التسمية.
العمل الصحفي ليس حكرا على الصحفيين بالمفهوم الاكاديمي بل لابد للهرلاءمن معين وهم المراسلون الصحفي، الذين ينقلون آراءهم وملاحظاتهم ومشاهداتهم اليومية لحدث أو موقف ان ميدانيا او قد يستعينون لجمع معلومات ما من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي من خلالها يستطيعون كتابة المنشورات أو التعليق على الأخبار ورفع مقاطع الفيديو والتي تُمكّنهم من نقل الخبر أو الحدث… فضلا عن مصادرها الخاصة الموثوق بها اجتماعيا ومجتمعيا وإداريا وغيره..
لهذا نجد عددا من المراسلين الصحفيين يتعاملون مع شبكات التواصل الاجتماعي لأنها أصبحت أمر حتمي وضروري، فمستقبل الإعلام ينبني الآن بالتوجه إلى الإعلام الإلكتروني، فهي كذلك تعد متنفسا للإعلاميين ليطلوا عبر صفحاتها وتسهيل عملية التواصل مع زملائهم.
ففي خضم الأحداث الأخيرة، ونظرا لوضعية الهشاشة القانونية التي يعيشها المراسل الصحفي، جراء تغييبه من بنود مدونة الصحافة والنشر، فلقد اضحى لفت انتباه المسؤولين على القطاع من أجل العمل على تعزيز الوضعية القانونية للمراسل الصحفي..
لذا صار مطلوبا من مختلف وسائل الإعلام بإعادة النظر في الظروف المهنية والاجتماعية للمراسلين الصحفيين، على اعتبار أنهم الشريان الحقيقي لها، إلا أنه وبكل اسف هناك من المؤسسات الإعلامية اليوم، ومن غير ضمير قبل ان نقول دون قانون، التي تعتمد مراسلين غير مؤهلين “تبيع” لهم بطاقات دون أن يكون لهؤلاء إثر ملموس لا في تلك المواقع ولا ميدانيا يشتغلونها لأغراض شخصية وعند الحاجة والمناسبات والمهرجانات في احسن حال يزودونها بالتبرگيگات المثيرة للجدل، دون تزويد الأخبار المهمة والاحداث المثيرة بالمنطقة،حاملو بطاقات مراسل صحفي دون مستوى قبل أن نقول ما قد يقدمونه من محتوى في انجاز نشرة …
كما أن هناك مؤسسات إعلامية أكثرها إلكترونية باتت تعتمد على مراسلين غير مؤهلين لأنها تحتاج فقط إلى المعلومة وتنشرها دون صيغة صحفية سليمة ممن هي فتحت أمامهم منصاتها لتكديسها بمواد يقال عنها والله أعلم مواد صحفية ؟؟، خاصة وأن اغلبهم يعمل دون مقابل… وبعض المراسلين همهم الوحيد الشهرة، ولذلك يجب إعادة النظر في تأهيل وتكوين المراسلين قبل التحاقهم بمختلف مجالات الإعلام… يحصل هذا هذا عكس عدد من الجرائد المسؤولة إن ورقية أو إلكترونيا (حتى لا يفهم اننا نضع الكل في نفس السلة الفائدة!) التي تستفيد مثلا من المعلومة وتعيد صياغتها وتطبعها بخط تحريرها الخاص.
ومن بين الإجراءات التي يمكن البدء بها لتنظيم هيكل المراسل الصحفي وتخليق عمل هذه الفئة في الجسم الصحفي ككل، ومن أجل تأهيلهم على أسس من الكفاءة والمصداقية، فلقد آن الأوان لمراجعة القوانين الجديدة لتجاوز حالة “الهشاشة القانونية والتنظيمية”، التي تطبع وضعية المراسل الصحفي، والتهميش الذي يعانيه داخل منظومة الصحافة والإعلام، مع الحرص على إصدار ميثاق وقانون المراسل والصحفي المنتسب، بهدف تعزيز المكتسبات الديمقراطية والمهنية، وتعزيز دور المراسلين في تحقيق التنمية الجهوية والمحلية، وايضا مع دعوة المؤسسات والهيئات المتدخلة للدفاع عن المراسلين، والمجلس الوطني للصحافة إلى مراجعة القانون الخاص بالصحافة، ومنح صفة الصحفي المنتسب للمراسلين على غرار الصحفيين المهنيين..
“وا كثرتوا كي البابوش”…
اترك تعليقا