الألباب المغربية/ محمد عبيد
ما أن يحط الزائر الرحال بمدينة مكناس، إلا وأن يثير انتباهه مظهر المدينة العاصمة الإسماعيلية وقد غرقت في مناظر غير لائقة تقزم من سمعتها وقيمتها كمدينة تاريخية تسعى لمتوقعها الجيد إن وطنيا أو دوليا كمدينة أثرية سياحية.. وليستخلص من هذا الوضع أن مدينة مكناس قد شرعت في فقدان توازناتھا.
ففي سياق جولة استطلاعية لمدينة مكناس العريقة لم يفتنا أن نستقصي آراء ومواقف بعض الفاعلين الاجتماعيين والنشطاء عن المدينة- إن ميدانيا أو تواصليا من خلال منصات التواصل الاجتماعي- فضلا عن الغيورين الذين آثروا الإقامة بها والتشبث بعراقتها رغم كل الإكراهات المعيشية والاختلالات البنيوية.. نلخص مداخلاتها في مجمل هذا التقرير الصحفي.
فالحديث عن مدينة مكناس حاليا فهو حديث ذو شجون، فوضعية المدينة المفعمة بكل أشكال التناقضات، عانت ولازالت تعاني في شتى المجالات التنموية إن الاجتماعية أو الثقافية او الرياضية أو والاقتصادية أو السياحية، إذ بالرغم من كل هذا الإرث التاريخي والثقافي المتوارثين عبر العصور خصوصا منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي إلى اليوم.. فعديد من الفضاءات أنَّتْ وتستمر في الأنين من جور بعض منعدمي الضمير كي يعيثوا فيها فسادا أمام أعين السلطات المتعاقبة…
فما أن يدخل هذا الزائر في نقاش مع الساكنة حتى تتناسل الإتهامات للمسيرين وخصوصا مجلس جماعة مكناس واصفين إياه بالجماعة التي تخبط خبط عشواء في عدد من القضايا إن البنيوية أو الخدماتية…
فالمتأمل في واقع مكناس يقف على هذه المدينة العاصمة الاسماعيلية تشكو وتبكي وتندب حظها العصر من لعنة الهدم وإعادة البناء والمشاريع المتوقفة او المفتوحة أوراشها المتعثرة الإنجاز..
لقد كان أن قامت منذ 6 سنوات من الآن على وجه الخصوص أشغال وما زالت قائمة بشكل حلزوني، وقد تجاوزت الزمن المقبول، مما يؤدي إلى خلق حالة من الفوضى، ومن الاضطراب الكبیر، حيث تفتقت عبقرية المسؤولين عنها في برمجة وتكرار برمجة مشروع ترميم وإعادة تهيئة عدد من الأماكن الأثرية منها باب منصور العلج، ساحة الهديم، حديقة الحبول، صهريج الصواني… وووو حتى صار يتردد بين ساكنتها وصفها ب”المدينة المغتصبة”… وذلك حين أضحت المدينة فاقدة للذوق المعماري السليم، وباتت تُنتج تشوهات غير التقائية مع قيمها التاريخية والاجتماعية، وبالتالي افتقدت المدينة وسائل الراحة من الداخل…
ويسجل المتتبعون للشؤون المحلية والإقليمية بأن النمو الحضري المتسارع في مدينة مكناس قد أدى إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية وغيرها…
كما يستغرب ويأسف عليه العديد من سكان مدينة مكناس ما يلاحظ على الواقع الحالي للمدينة التي تتمع بالعديد من المآثر التاريخية، ورغم كون المدينة بشقيها العتيق الوسيطي أو العتيق السلطاني لم تستفد من الاستراتيجيات الوطنية السابقة في معالجة مشاكل النسيج العتيق اللهم بعض تدخلات الوحدات الترابية والسلطة المحلية المتفرقة والأحادية والمحدودة الأثر والفعالية كبرامج البنية التحتية وتأهيل الأماكن العامة وفي غياب وتأخر برامج التدخل في الإنشاءات المهددة بالهدم (قسم الإسكان والعمران) وكذلك عدم استفادة المدينة من إستراتيجية التنمية السياحية بما في ذلك ما سبق الإعلان عنه من برنامج مدينتي وبرنامج مدى أو خطة أزور والتي استفادت منه مدينة فاس ومدينة الدارالبيضاء لترميم وتأهيل النسيج العتيق “الآرت ديكو” منذ بداية القرن العشرين بمبلغ 1,5مليار درهم… في برنامج سبق الإعلان عنه قبل العذرية الجارية من القرن ال21ا لحالي..
فأُعْلِن بعده عن”الجزء الثاني” قبل 3 سنوات ضمن برنامج 2019-2023 الذي هدف حسب مهندسيه إلى تثمين المدينة العتيقة مكناس، إلا أنه حمل مشاريع عديدة على الورق تنتظر نفض الغبار عنها في ظل ما تم إعلانه، مما يدفع بالمكناسيين إلى طرح اكثر من علامات استفهام بشأن عدم انطلاقة انجاز ثلاثة مرائب: “مرآب تحت أرضي باب الرحى سعة 400 سيارة، مرآب زين العابدين سعة 300 سيارة، مرآب ساحة غرفة الصناعة التقليدية سعة 100 سيارة”، وكذلك المرآب التحت أرضي سعة 400 سيارة في منطقة باب الرحى؟ ومتربصين وقت تنزيله عمليا في وقت تم الإعلان فيه عن تخصيص غلاف مالي قدره مبلغ 30 مليونا درهما لإنجاز هذه المشاريع؟
وفي ظل هذه الوضعية المثيرة الجدل، والتي تكشف عن تدهور ملحوظ في البنيات التحتية منها الطرقية من تدهور، تزداد معاناة ساكنة المدينة مع الخدمات المتعلقة بتدني خدمات الإنارة العمومية وغياب فضاءات ترفيه عمومية لفائدة أبناء المدينة… وضعف الخدمات في مجال النقل الحضري وما تتسببه حافلات الشركة المفوض لها بتدبير هذا القطاع.. رغم زعمها مؤخرا توفير أسطول جديد والاحتفال به في “كرنفال”، لكن تكشف حالات أنه أسطول “قاضي حاجة” كون كثيرا ما تعثرت حافلات نسبت إليها صفة “العصرية”، بسبب حالاتها الميكانيكية تسببت في تعطيل الراكبين وصولهم إلى وجهات أغراضهم أو عملهم…
وقد انتشرت عبر الوسائط الاجتماعية العديد من التدوينات وارتفعت أيضا الأصوات مستنكرة للأضاع التي أصبحت عليها العاصمة الإسماعيلية، ومطالبة بالتصحيح الفوري لخدمات القرب التي يفترض أن تتولاها المجالس المنتخبة… ومحملة بالأساس مسؤولية ما آلت إليه مدينة مكناس العريقة إلى كل من سلطات عمالة مكناس التي تتفرج وتبارك الأوضاع المقلقة للسكان، وتغاضيها عن سوء التدبير والتسيير من قبل رئاسة المجلس الحالي؟!!.
فالحديث عن المجلس الجماعي المسير- يقول زميل إعلامي- فهو حديث ذو شجون، فوضعية المدينة المفعمة بكل أشكال التناقضات شكلت متنفسا لبعض منعدمي الضمير كي يعيثوا فيها فسادا أمام أعين السلطات المتعاقبة… فالجميع يتملص من المسؤولية في عهد مجلس جماعي استفحال فيه حالات من العبث والاستهتار أكثر ما فيه من الالتزام والمسؤولية، تقوده تركيبة بشرية غير متناغمة وغير ملبيبة لرسم مخطط تنموي شامل يعيد للمدينة كرامتها المغتصبة والتي أصبحت تتقن بزعامة رئيسها والمدلل في إبرام الصفقات وقضاء أغراضهم الشخصية… وهنا لا أستثني دور الإعلام المحلي المفروض فيه لعب دوره لتقدم واقع مكناس بعيدا عن المجاملة والسعي لقضاء اغراض لا تتماشى وأخلاقيات العمل الصحفي المسؤول؟!!
فيما يقول أحد الفاعلين الاجتماعيين: “لقد أصبحت مدينة مكناس تواجه تحديات وتناقضات حولتها إلى مجالات عاجزة وإلى آلات لإنتاج كل أشكال الإقصاء والتهميش، فلكي تكتسب هده المدينة تحديات المرحلة بما ينسجم والتنمية الشاملة يجب على القيمين على المجلس ابتكار طرق جديدة للتسيير تتماشى ومنطق الحكامة وتكسب المدينة جاذبيتها ومكانتها المعقولة.. ولا ننسى كذلك الاهتمام بالعنصر البشري وإشراك الموظفين والعمال من خلال توفير شروط إدماجها في تدبير الشأن المحلي والنهوض بمستوى الخدمات الإدارية. وإتمام كافة المشاريع المسطر لها طبقا لمقتضيات اتفاقية الشراكة المبرمة بين المجلس الجماعي والجهات المعنية دون استغفال واحتيال على الساكنة، وكذلك دمج البعد البيئي في كل مشاريع التعمير والإسكان، دون إغفال الاهتمام بالخدمات الاجتماعية الحيوية كالصحة والتربية والثقافة لتفادي انزلاقات الشباب نحو الإحراف..”…
وخلاصة القول جاءت من ناشط فايسبوكي حين دون تفريدته بالاشارة إلى”أن هذا الوضع الذي تعيش عليه مكناس يستوجب توفر مسؤولين جادين تعهد إليهم مهمة تسيير الشأن المحلي بشكل ينقد المدينة العريقة من ركودها الاقتصادي والاجتماعي لتحقيق نسبة نمو تمكن من إعطاء انطلاقة لصيرورة التنمية الشاملة المستدامة في إطار ترسيخ اللامركزية التي تحظى بالعناية السامية لصاحب الجلالة باعتبارها الدعامة الأساسية”.
مكناس…المدينة التي تتعرض للاغتصاب !
اترك تعليقا