الألباب المغربية/ نادية عسوي
أجلس كل صباح إلى فنجان قهوتي، وأتأمل كيف أن تفاصيل صغيرة قد تكشف لنا صورة مجتمع بأكمله. ما بدا لي اليوم ليس مشهدًا عابرًا، بل علامة على خلل أعمق: تلك الأراضي الفارغة وسط الأحياء السكنية، التي بقيت لعقود طويلة دون بناء أو استغلال. هي فراغات صامتة، لكنها تتكلم بلغة الفوضى؛ تتحول إلى مكبّات للنفايات، أو مرتعًا للمشردين والكلاب الضالة، أو حقولًا للأعشاب العشوائية التي تنمو بلا نظام.
قد يظن صاحب الأرض أنه حر في ملكيته، ينتظر ارتفاع قيمتها أو يحجم عن استثمارها لاعتبارات خاصة. لكن ما يغيب عن الأذهان هو أن هذه القطعة الصغيرة من الأرض لا تخصه وحده، بل تخص مجتمعًا كاملًا يتأثر بوجودها فارغة. إنها تعطل التنمية، تؤخر التبليط، وتحوّل حياة الجيران إلى انتظار طويل وفوضى متكررة حين تُعاد حفر الطرق لتمرير الماء والكهرباء بعد تعبيدها.
القانون كان واضحًا، حين فُرضت ضريبة على الأراضي غير المبنية بعد سبع سنوات، وعدّل النص مؤخرًا ليصبح أكثر عدلًا عبر ربط قيمة الضريبة بمستوى تجهيز المنطقة، وإسناد التحصيل للمديرية العامة للضرائب. لكن القوانين مهما بلغت دقتها تبقى عاجزة إن لم تسندها روح المواطنة.
هنا يطرح السؤال نفسه: ما معنى الحرية إن كانت أنانية تُشوّه الفضاء المشترك؟ وما قيمة الملكية إن كانت تتحول إلى عبء على الآخرين؟ إن الوعي الجماعي لا يُقاس فقط بالخطابات ولا بالقوانين، بل بقدرتنا على إدراك أن مصلحة الفرد لا تنفصل عن مصلحة الجماعة.
القهوة في يدي تُذكرني أن كل رشفة، مهما بدت صغيرة، تترك أثرها في مزاجي وحالتي. وكذلك الأفعال الصغيرة للأفراد: قطعة أرض فارغة هنا أو هناك قد تُشوّه لوحة مدينة بأكملها. وإذا أردنا أن نرتقي بوعينا كمجتمع، فعلينا أن نرى في تفاصيل حياتنا اليومية مرآة لمسؤولياتنا، وأن نفهم أن الجمال والنظام ليسا منحة من الدولة فقط، بل ثمرة لضمير جماعي حيّ.
فهل يمكن أن نتعلم، يومًا ما، أن المدينة لا تُبنى بالإسمنت فقط، بل تُبنى أولًا بالوعي، وبقدرتنا على أن نضع الصالح العام قبل نزواتنا الفردية؟