الألباب المغربية/ يوناش وآني
- فشلت في الانتماء لأسرة ثرية لكني كبرت مع النبلاء، كنت أرى امرأة نبيلة تكابد يوميا لتطعمنا من مطبخ بروائح محبة. يليها الشبع والهرج فوق أطباق البركة، كيف أحوز سماء فيها أمي.
- ثم فشلت في أن أكون جميلا ممشوقا ذا شعر كثيف مترامي. لكني تعمدت أن أحلق شعري حتى الصلع ليتصالح دماغي مع دماغ الشمس ظنا مني أنه السبيل للنبوغ. لم أكن أعلم أن صلعتي ستتوطن فوقها أنفاق وندوب وخنادق حروبي وتتحول لكتاب تاريخ. هذا بالضبط ما حصل لصلعة قلب صعلوك طيب. كيف أجمع طفولتي الشقية في سماء؟
- فشلت أن أسلك مسلك العلوم لأصبح طبيبا. لم أزر طبيبا يوما فظننت أنها المهنة من خاصمتني فأحببتني الصحة مكانها. لم أمرض كثيرا فتغول في دواخلي الخيلاء. ولما اسقط صريعا يتحول الخيلاء لمادته الكيميائية التي هي “السيد الخواء”. سماء الباري وهبتني صحة وقلة تقدير ممزوج بقليل حظ وهذا هو بالضبط ذلك الزاد الذي يحتاج إليه مسافر مغامر.
- فشلت في أن أصبح شاعرا أو كاتبا أو نجما مشهورا. وكنت أناجي نفسي كثيرا وأكلمها أمام المرآة وأتخيل جماهير غفيرة تتراقص أمامي. اعتدت على هذا الاستيهام وأصبحت أدمنه كلما أحسست بوحدة قاتلة فنجحت في خلق شهرة وجماهير في خلواتي مادامت الشهرة نفسها هي حلم والجماهير الحاشدة أطيافها العابرة. السماء الرابعة فيها صوري وأنا متألق وليس فيها غير روح ربانية تناجي داخلي وفرة العزلة واكتفائي بها وسط صخب الوحدة التي منها أكلم الجميع.
- فشلت في أن أصبح غنيا ولم انجح في أن أتحول جائعا. كنت أحس دوما بشبع سريع وكثيرا ما أتقاسم أطباقي وأضع رغيفي فوق رغيف الآخرين. عادة لا أطيق ذلك المنظر الذي يشبه وثائقيات الحيوانات حيث ألتهم أكلي أمام أنظار الناس. ألست بخجلي المفرط الانطوائي غنيا نوعا ما ولو بشكل درامي؟ قط احتفي بسماء الاغتناء. الله غني يحب عباده المستغنين الأغنياء.
- فشلت في أن أصالح الجميع وكل من تسببت لهم من أذى. أنا نسيت كل الأذى الذي غمرني وأظن أن الجميع مثلي لأنني ساذج طيب وسط سذج. هي سماء صعبة الولوج لكنها حيث تستريح أرواحنا من هول الانتقام وأجنداته المكلفة جدا. سماء نتسامح فيها ونصل لفكرة مفادها كم كنا أغبياء ومكلفين للحياة ونحن نتصارع.
- فشلت في أن أكتب لحد الآن كتابا. قصة للأطفال تكون ملهمة لهم أو قصص رعب تحفزهم على تجنب الفراغات، أو أرسم على الفزاعات في الحقول عبارات اعتذار للطيور والبومات، أو أن أتسلل لبعض قبور الموتى اكتب عليها آيات قرآنية، أو اكتب إسمي على قبر جدتي عللني اسعد بها هنا وتسعد بي هناك. لم أكتب شيئا جديرا بعد، ربما لأنني مازلت شغوفا بالحياة. هي السابعة من سمواتي حيث لن تكتمل حياتي وأنا منغمس في أنانية الصمت وعزوف الكتابة. اقرأ نعم… أكتب في نهاية المطاف.