الألباب المغربية/ نادية عسوي

“علاش متقلبش ليهم على حلول؟”، قالها عبد الإله بنكيران وهو يستعرض رقماً ثقيلاً: ثلاثة ملايين وستة مائة ألف شابة تجاوزن الثلاثين بلا زواج ولا أبناء. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا تُقدَّم الأرقام عن الفتيات وحدهن؟ أين الفتيان الذين يعيشون الوضع نفسه ؟ أليس الزواج علاقة بين طرفين يشتركان في نفس الهموم؟
الزواج لم يعد كما كان. لم يعد يكفي سقف متواضع وقلوب مطمئنة. صار معادلة معقدة: صداق وذهب وعرس وسكن، ثم مسؤوليات أكبر مع الأطفال والمدارس والكليات. معظم الشباب يعرفون أن هذه ليست مجرد مراسم، بل التزامات ثقيلة تحتاج أولاً إلى عمل قار يضمن كرامتهم. لكن ما يواجهه معظمهم في الواقع هو عقود المناولة والعمل بسيديدي، بأجور أقل من الحد الأدنى، وظائف هشة بلا أفق، وأحياناً انتظار طويل بلا عمل أصلاً. كيف يُبنى بيت مستقر على أساس مهتز؟
الفتيات لم يعدن يستعجلن الارتباط، فالعمل والتعليم منحهن استقلالية ووعياً جديداً. أصبحن يفضّلن الانتظار على أن يواجهن هشاشة مضاعفة، والشباب الذكور يترددون بين ضيق الجيب وارتفاع نسب الطلاق، يعرفون أن المغامرة قد تتحول إلى مأساة عند أول أزمة مالية.
وراء الأرقام قصص من لحم ودم: شاب فرّق بينه وبين حبيبته غلاء السكن، شابة تطوي سنوات عمرها وهي ترى حلم الأمومة يتأجل، طلاب عاشوا حباً في مدرجات الجامعة لكنهم يعرفون أن الزواج بعيد مثل أفق البحر. هذه ليست مجرد قصص إنها حياة مؤجلة، قلوب تنتظر، ومستقبل يتبخر على مهل.
وهنا يطل السؤال السياسي المرّ: بنكيران نفسه كان رئيساً للحكومة، فأين كان يوم شرع الباب أمام المناولة وعقود “السيديدي”.. وأين كانت وزيرة التضامن من هذه القضية التي تخص النساء أولاً؟ وأين كان وزير الشغل وهو يرى الشباب تائهين بين البطالة والمناولة؟ كيف غابت عن الوزراء الجرأة على ابتكار حلول، بينما وجد بعضهم بعد الاستوزار مناسبة لزواج ثانٍ بدل أن تكون مناسبة للتفكير في حلول للشباب؟
إن الزواج ليس قدراً بعيداً، لكنه أيضاً لم يعد ممكناً مع سياسات لا تعترف بأن الاستقرار الأسري يبدأ من الاستقرار الاقتصادي. الأسرة ليست رفاهية، بل أساس التماسك الاجتماعي. وعندما يُترك الشباب لمواجهة الغلاء واللايقين وحدهم، يتحول الزواج إلى ترف، والعزوبة إلى قَدَر.
ويبقى السؤال: هل نلوم الشباب لأنهم لم يتزوجوا؟ أم نلوم السياسات التي لم تُؤمّن لهم أرضية صلبة يقفون عليها ؟ الحقيقة أن الزواج سيظل حلماً بعيداً ما دامت البطالة والمناولة والعمل الهش ينهش يومياتهم. سيظل مجرد رقم بارد في تقارير الإحصاء ما لم نستعد معناه الأول: أن يكون حضناً آمناً، ومشروع حبّ، ووعداً صادقاً بالطمأنينة.
وكما قال جبران خليل جبران: “الحب وحده يقدّس الحرية، والحرية وحدها تقدّس الحب”. ولعلنا بحاجة أن نعيد للزواج صفاءه الأول، لا كسباق مع الزمن، بل كاختيار إنساني حرّ، يزهر فقط حين يلتقي القلب بالكرامة، والحب بالعدالة.