الألباب المغربية/ محمد خلاف
بعيدا هناك حيث ضوء الشمس؛ توجد أسمى طموحاتي قد لا أبلغها لكني أنظر إليها عالية وأنا أتأمل جمالها وأؤمن بها؛ وأحاول أن أتبعها الى حيث تهديني..
تلاحقت الأيام بفرعية ادموسى متطابقة، السنة الرابعة تباعا؛ أصبحت أكثر دراية بالمنطقة وجغرافيتها وتاريخها وثقافتها وأسماء الدواوير المجاورة؛ أتقنت التواصل بالسوسية؛ ولازلت؛ حرصت على تعلمها؛ لأنه اذا كنت تخاطب شخصا بلغة يفهمها معناه أنك تخاطب رأسه؛ وأما اذا كنت تتحدث معه بلغته الأصلية؛ هذا يعني أنك ستذهب الى قلبه كما قال نيلسون مانديلا؛ وبحكم أني ربطت علاقات صداقة قوية مع ناس الدوار والمنطقة ككل؛ الأمر الذي سهل علي الانسجام التام؛ عاملت الناس بحضارة وحلم؛ مستلهما قوله تعالى( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
حضرت العديد من الأعراس راقتني كثيرا رقصة أحواش الشهيرة لما ترمز إليه لدى أهل سوس من أنفة وقوة؛ ونخوة.. الجميل هو أن الطباخ في الأعراس يكون رجلا عكس ما تعودت عليه؛ هنا الطاجين هو سيد الأكلات في الأعراس؛ وله خصوصيات تبدأ من التحضير الى الإعداد؛ الفلفل الحار لا غنى عنه وبأعداد كثيرة؛ الكرم يبدأ بتقديم الزيت والعسل والسمن؛ والشاي ثم الطاجين كوجبة رئيسية؛ وينتهي بالزيت والعسل والسمن؛ بصدق ثقافة أخرى جميلة. حبهم لتقاليدهم لم يضعفهم بل أعطاهم القوة ساعة الخطر.
وأخيرا صدرت المذكرة المنظمة للحركة الانتقالية الوطنية؛ لأن جيلي كان مجبر بعقد عمل لمدة أربع سنوات بالجهة مقر التعيين. كنت أسابق الزمن أملا في الظفر بانتقال الى بني ملال أو نواحيها؛ بحثا عن دفء العائلة وعن الشر الذي لابد منه؛ كان للحصول على ذلك التمكن من نقطة الامتياز في التفتيش؛ في السنة الرابعة؛ بدأت رحلة أخرى من البحث عن كيفية الوصول الى المفتش؛
تطوع مدير مجموعة مدارس ابن زهر المجاورة بحمله على سيارة رونو 12 الزرقاء؛ مقابل مبلغ البنزين؛ وكان له ذلك؛ وجاء السيد المفتش الرجل الطيب الشرقي الأصل؛ منحنا جميعا ما نستحقه؛ وبدأت رحلة البحث عن المناصب المحتمل شغورها بنيابة بني ملال؛ وبمحيط مدينة الفقيه بن صالح؛ وبعد مشاورات عدة عبأت المطبوع بعناية قل نظيرها إنها حقيقة فرصة العمر؛ ومرت السنة الرابعة بالفرعية كسابقاتها في انتظار عطلة الصيف؛ إما أن أعود أولا أعود.
صراحة بقدر ما كانت تجربة غربة وألم وضياع؛ بقدر ما كانت محطة من محطات عمري الجميلة؛ لأن العمر بالشعور لا بالأعوام على حد تعبير كورتس. اختبرتني الحياة بادموسى، ثم علمتني دروس عدة؛ وعلمت أن الحياة لا تقاس بطول السنين؛ بل بعرض الأحداث؛ وأن الحياة مهما كانت قاسية تعايش معها؛ لا تلعنها أو تسبها؛ فالأشياء لا تتغير؛ بل نحن من يتغير.
ودعت وسادتي تاركا إياها وحيدة؛ متمنيا أن تأخذني الأيام بعيدا؛ ووعدت نفسي ألا أنسى ذكرياتي بادموسى؛ ولو كان الفراق بحجم مجرة ولأن الفراق هو الوجه الٱخر للحب؛ لم أحمل غير البعض من أغراضي المهمة. تركت الكثير من بصماتي بالقسم والمحيط والمنزل؛ ولدى الناس. بعد توقيع محضر الخروج ودعت الأصدقاء والأهالي؛ على وشم غادة السمان ما أجمل الفراق؛ وحبكم هو المسافة بين الكتمان والكبرياء والمستحيل.
انتقلت لأنه خياري الوحيد ٱنذاك؛ ورحيلي ليس بالمر اليسير؛ بل أجبرت على ذاك القرار؛ وأن أحتضن جراح الزمان؛ وأنا مازلت لا أدري إلى أين يأخذني هذا المشوار.
وفي يوم من أيام شهر غشت 2003 صدرت نتائج الحركة الانتقالية، فرحت كثيرا بانتقالي؛ وعشت نشوة جميلة ٱنذاك؛ وتأكدت أن الإنسان دوما يحتاج الى فرح أثناء فترات الاستراحة الناذرة التي تتخلل عذابه؛ وبدأ البحث عن فرعيات التعيين الجديد؛ فعلا تعب كلها الحياة؛ وهو موضوع الجزء الثاني من اليوميات؛ وبقيت تيزنيت في القلب والعقل؛ وتأكدت أن الحياة دمعتان دمعة لقاء ودمعة فراق؛ رحل كل شيء إلا الخير ظل منقوشا في صفاء قلوبنا النقية؛ فهل العيش يا صاحبي الا مغامرة دائمة (ميخائيل نعيمة).