الألباب المغربية/ محمد عبيد
يتزايد حجم الصناديق الساعية للاستثمار في الاقتصاد الأخضر الجديد عاماً بعد عام.
إن الانتقال إلى اقتصاد عالمي خالي من الكربون، أو على الأقل إلى توازن صافٍ صفري من حيث انبعاثات الغازات الدفيئة، سيتطلب مستوى مذهلاً من الاستثمار يقدر بنحو 20 ألف مليار دولار، والذي سيتعين نشره على مدى العقدين المقبلين.
في المقابل، فإن قطاع صناديق الاستثمار، الذي يبلغ وزنه اليوم نحو 50 ألف دولار، سيعيد حتماً توجيه جزء كبير من موارده نحو الاستثمارات الخضراء. وهذا يعني أنه في السنوات العشرين المقبلة، لن تكون الموارد المالية هي التي ستنقص، بل المزيد من تطوعية المشغلين، وخاصة القطاع الخاص، فضلاً عن المؤسسات.
إن العملية الأخيرة التي قام بها المكتب الشريف للفوسفاط، الرائد عالميًا، والتي تمكنت للتو من جمع تمويل بقيمة 2 مليار درهم من بنك التنمية الآسيوي لمشاريعه الاستثمارية الخضراء، هي خير مثال على في المغرب، تم اليوم الانتهاء إلى حد كبير من الجوانب المؤسسية والتشريعية والتنظيمية التي تقع ضمن اختصاص الدولة، بل وحتى تشغيلها.
والأمر متروك للقطاعين العام، ولكن أيضًا وقبل كل شيء للفاعلين الاقتصاديين من القطاع الخاص، لاتخاذ القرار.
وللقيام بذلك، لن يضطروا بعد الآن إلى النظر في المشاريع الخضراء باعتبارها نهجًا بديلاً أو عصريًا، بل باعتبارها أسلوب الإنتاج الوحيد الذي سيكون قابلاً للتطبيق في غضون سنوات قليلة.
وسيكون التحول إلى أساليب الإنتاج النظيف هو السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة.
فلقد أشارت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في ورقة نشرتها على منصتها في موضوع برنامج الاستثمار الأخضر معتبرة اياه بنهج فريد من أجل تنمية مستدامة، وموضحة سلسلة الإمدادات المتكاملة مكانته من ترشيد موارد الفوسفاط في جميع عملياته.
وإن هدفها مواجهة تحدي الطلب العالمي المتزايد وجعل الاستدامة أولوية.
لذلك تقول بأنها أطلقت برنامجا جديدا للاستثمار بقيمة 12 مليار دولار للفترة الممتدة من 2023 إلى 2027 من أجل رفع قدرات الاستخراج المنجمي وإنتاج الأسمدة بمجموعة OCP. تلتزم كذلك بتحقيق الحياد الكربوني بحلول سنة 2040.
وأشار ذات المصدر بأن الاستراتيجية الجديدة للتنمية تندرج في إطار استراتيجية الانتقال الطاقي للمغرب ورؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس لتطوير الطاقات المتجددة والابتكارات الجديدة في هذا المجال. تتواجد الطاقة النظيفة في صلب البرنامج الاستثماري الأخضر لمجموعة OCP، وتهدف المجموعة إلى تشغيل جميع منشآتها الصناعية بالطاقة الخضراء بحلول سنة 2027 (إنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الريحية، الشمسية، الكهرومائية والتوليد المشترك).
كما أفاد نفس المصدر في ذات الورقة بأن سيعتمد على التقدم الاستثنائي للمغرب في مجال الطاقات المتجددة وقدرات البحث والتطوير لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P) للاستفادة من الفرص التي توفرها التكنولوجيا الصناعية والرقمية.
وفي موضوع الاستفادة من الإرث الناجح، فاعتبرت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط بأن هذا البرنامج امتداد للمخطط الاستثماري السابق لمجموعة OCP والذي خصصت له 8 ملايير دولار في الفترة الممتدة من 2012 إلى 2021.
وذكر التقرير بأن هذه الاستثمارات مكنت من الرفع من قدرات إنتاج الأسمدة من 4 إلى 12 مليون طن لتمكين المغرب من احتلال الريادة في مجال الأسمدة. شاركت أكثر من 400 مقاولة صناعية مغربية في هذا البرنامج الذي ساهم في خلق 8400 منصب شغل مباشر وغير مباشر.
كما أن البرنامج الاستثماري السابق مكن من ترسيخ مكانة مجموعة OCP كواحدة من أهم منتجي ومصدري الأسمدة الفوسفاطية على الصعيد العالمي، حيث انتقل رقم معاملاتها من 2،5 مليار دولار سنة 2005 إلى 9،4 مليار دولار سنة 2021.
وبخصوص البرنامج 2023-2027 فأوضح التقرير بأن جاء من اجل تعزيز القدرات بشكل مستدام بصفة ان مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط مقاولة، تحتاج إلى ضمان مواصلة التقدم إلى الأمام ولكن ليس على حساب الكوكب. وبأن سيستثمر 130 مليار درهم على الصعيد العالمي على مدى السنوات الخمس المقبلة من أجل الرفع من قدرات الإنتاج بشكل مستدام، ويهدف إلى زيادة إنتاجه من 12 مليون طن إلى 20 مليون طن من الأسمدة.
سيخصص الجزء الأكبر من هذا الاستثمار للرفع من القدرات المنجمية بفضل افتتاح منجم جديد بمسقالة، في جهة الصويرة وإنشاء مركب جديد لإنتاج الأسمدة بمزيندة لمعالجة صخور منجمي ابن جرير واليوسفية وكذا المنجم الجديد لمسقالة.
وبشأن الاعتمادات المالية الخاصة بالبرنامج الاستثماري الأخضر الذي يهم أساسا المبادرات الرئيسية، فتتوزع كما يلي:
*1 مليون طن من الأمونياك الأخضر بحلول سنة 2027، مع استهداف إنتاج 3 ملايين طن سنة 2032.
*5 جيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول سنة 2027، مع استهداف إنتاج 13 جيغاواط سنة 2032.
*560 مليون متر مكعب قدرات تحلية مياه البحر بحلول 2027، منها 110 مليون متر مكعب سنة 2023.
*20,000 طن من الفليور و 30000 طن من المنتجات الوسيطة لبطاريات الليثيوم-الحديد-الفوسفاط بحلول 2027.
وأن الهدف من البرنامج ترشيد وتعزيز سلسلة الإنتاج المحلي في المواقع الصناعية والمنجمية للمجموعة. وعلى سبيل المثال، وفي محور خريبكة-الجرف الأصفر، سيتم نقل المياه المحلاة عبر خط للأنابيب إلى خريبكة وستتم تلبية الاحتياجات الطاقية لهذا المحور الاستراتيجي من خلال 760 ميغاواط سيتم إنتاجها في المحطات الكهروضوئية. نهدف إلى تحقيق إنتاج إضافي في حدود 4 ملايين طن من الأسمدة في هذا المحور بالإضافة إلى تطوير منتجات كيميائية مشخصة.
وبالإضافة إلى ذلك، يضيف التقرير، وعلى محور الكنتور-مسكالة-آسفي، يهدف المخطط الاستثماري إلى إنشاء مركب كيماوي ومنجمي جديد بمزيندة لمعالجة صخور منجمي ابن جرير واليوسفية، وكذا المنجم الجديد لمسكالة بقدرة تصل إلى 6 ملايين طن من الصخور بنهاية سنة 2027. سيتم تزويد الإنتاج بالإضافة إلى تحلية المياه بآسفي من خلال 440 ميغاواط للمحطات الشمسية المتواجدة في الأراضي المنجمية. ومن المتوقع أن تنتج محطات التحلية المستقبلية ما لا يقل عن 200 مليون متر مكعب في أفق 2027.
وفي المحور الجنوبي، طرفاية- بوكراع- العيون، من المقرر إنشاء المركب الأخضر لإنتاج الأمونياك جنوب طرفاية، وستبلغ طاقته الإنتاجية 1مليون طنا سنويا وسيتم تزويده بالطاقة من خلال محطة شمسية وريحية بقدرة إجمالية في حدود 3،8 جيغاواط.
وسيتم دعم هذا المشروع بمصنع لإنتاج أجهزة التحليل الكهربائي وهو ما سيمكن من ضمان التكامل الصناعي المحلي لسلسة الإنتاج. سيتم تزويد المنشآت الصناعية من خلال محطة تحلية بقدرة 60 مليون متر مكعب وستساهم في تلبية الاحتياجات الجهوية.
ولتعلن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في نهاية تقريرها بأنه من خلال هذا البرنامج، ترغب مجموعة OCP بدعم ظهور منظومة بيئية صناعية مبتكرة بالمغرب، من خلال مواكبة ودعم 600 مقاولة صغرى ومتوسطة في قطاع الطاقة، الفلاحة والصناعة، حيث يهدف البرنامج إلى خلق 25000 منصب شغل مباشر وغير مباشر.