الألباب المغربية/ حطاب الساعيد*
لا يحتاج الزائر لمدينة خنيفرة التي تنتمي الى جهة بني ملال خنيفرة احدى اغنى جهات المملكة المغربية، الى الكثير من الوقت حتى يشخص ظاهرة الفقر المدقع الذي يعانيه أبناء المدينة فلا بنايات تناط السحاب ولا مشاريع عمرانية كبيرة، كل ما يمتلكه الخنيفريون أو الزيانيون كما يلقبون هو العيش تحت خط الفقر، وطيبة متناهية في التعامل مع الٱخر تكاد تميزهم عن باقي مدن المغرب.
ندرة التخصيصات المالية للمدينة وعدم الاستفادة من مختلف الموارد الاقتصادية والفلاحية التي تمتاز بها الجهة (بني ملال خنيفرة)، يعتبر أحد اسباب التي أدت الى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتدني المعيشة وفقدان الهوية الصناعية للمدينة، لكن مع هذا كله ثمة مؤهلات اقتصادية وطبيعية تجعل منها قطبا لجلب الاستثمارات الوطنية والاجنبية، حيث تتميز بتوفرها على فرشة مائية كبيرة وتعتبر منبع أحد أكبر أنهار المغرب وهو نهر أم الربيع إضافة إلى تواجد عدة بحيرات كبحيرة ووان واكلمام ازكزا ومواقع طبيعية متميزة تستقطب أعدادا كبيرة من هواة السياحة البيئية والقروية، كما تتميز المنطقة بثروة غابوية مهمة أبرزها غابات الأرز الأطلسي والبلوط الأخضر، وتزخر بتنوع بيولوجي غني يضم العديد من الأصناف الحيوانية والنباتية كشجرة الخروب والنباتات الطبية والعطرية، ناهيك عن المعادن والمناجم التي تشكل أهم الأنشطة الاقتصادية في إقليم خنيفرة ونخص بالذكر منجم الرصاص والفضة بتيغزا بمولاي بوعزة، ومعدن النحاس والفضة بجبل عوام بمريرت، ومعدن النحاس والبريتين بتاجموط، هذا بالاضافة الى العديد من مقالع الرمال كمقلع كاف النسور وواد سروا…
كل هذه الثروات الهائلة كانت كافية أن تجعل من خنيفرة مدينة قادرة على استثمار الموارد البشرية وتؤسس لقاعدة صناعية متنوعة قادرة على خلق الثروة وتوفير فرص الشغل لشباب الإقليم وتحسين مستوى معيشة الساكنة التي لازالت تعاني من الاقصاء والتهميش، وقد سبق في هذا الشأن لولي جهة بني ملال خنيفرة، الخطيب الهبيل، في أحد تصريحاته أن قال “إن مجموعة من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بالمناطق القروية والجبلية لا ترقى الى مستوى تطلعات الساكنة، حيث لم يتعدى معدل الناتج الداخلي الخام الجهوي 62 مليار درهم سنويا، كما أن النسيج الاقتصادي للجهة لازال عاجزا عن امتصاص البطالة خاصة في صفوف الشباب”، نفس الأمر نستشفه من التصريح الذي سبق أن أدلت به حليمة العسالي عن حزب الحركة الشعبية بقولها “إن إقليم خنيفرة يعتبر من المناطق الفقيرة بالمغرب، وأن تنميته ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وفلاحيا، من بين أهداف الجهوية المتقدمة التي وضع أسسها الملك محمد السادس”.
وهذا إن دل على شيء إنما يدل على ما قاله صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في أحد خطاباته “هناك من يعرقل تنمية البلاد عن قصد لتحقيق ربح شخصي … وهو ما يجب محاربته”.
لكن يبقى السؤال المطروح من خلال ما سبق هو ألم يحن الوقت كي يتم التفكير بالجدية التي نادى بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس وتغليب المصلحة العامة عن المصلحة الذاتية في بلورة مخطط تنموي شامل ينهض بالمدينة اقتصاديا وثقافيا وبيئيا ؟ هذا السؤال نفسه نادت به ساكنة الإقليم بصوت مرتفع في الٱونة الأخيرة لعل أصحاب القرار يأخذون به على محمل الجد وتنزيله على أرض الواقع.
ولعله من المفيد أن نؤكد في الختام أنه حين تغيب الرؤية الاستراتيجية ويجتمع الفساد مع سوء الإدارة أو يتحول الفساد من ماء متسرب الى واد، تدخل المدينة في دائرة مغلقة من البؤس والمعاناة مهما بلغت عدد الموارد والثروات التي تتوفر عليها.
*باحث في الدراسات السياسية والدولية.