الألباب المغربية
عشية الدخول المدرسي، وبينما كانت الأسر تحضّر أبناءها للعودة إلى مقاعد الدراسة، اختار مجموعة من المراهقين القُصَّر أن يفتحوا لأنفسهم “بابًا آخر”.
سرقوا يختًا من ميناء “تمنتفوست”، وأبحروا نحو الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، رحلة محفوفة بالموت، لكنها بالنسبة لهم بدت أهون من البقاء.
المشهد وحده يكفي ليهز الضمير الوطني.. أطفال لا يتجاوزون سن المراهقة يخاطرون بحياتهم كما يفعل الكبار اليائسون. والأدهى من ذلك أنهم، عند وصولهم، احتفلوا بالنجاة، ضاحكين كأنهم أنجزوا بطولة، وكأن عبور البحر أهم من عبور عام دراسي جديد.
من السهل أن نُرجع هذه الظاهرة إلى “أجندات خارجية” أو “أفكار مغرية من وراء البحار”. لكن الحقيقة التي يجب أن نواجهها أعمق: أطفالنا يفرّون لأنهم لا يجدون أفقًا هنا… البطالة، انسداد الأمل، عنف الشارع، انهيار منظومة القيم، وانعدام الثقة في المستقبل… كل هذه العوامل كافية لتجعل قاصرًا يفضل مواجهة الموت في البحر على الجلوس في قسم دراسي بائس.
بالأمس كنا نرى عائلات كاملة تغامر بالقوارب، اليوم، قُصَّر يهربون وحدهم. وغدًا ؟ قد يأتي الدور على الرضع… إنها سلسلة انحدار لا يمكن السكوت عنها.
أيها المسؤولون، هذه ليست “حوادث معزولة”، بل رسائل صارخة من جيل كامل يقول: لم نعد نجد مكاننا هنا. والمجتمع، بكل مكوناته، يتحمل مسؤوليته أيضًا. لا يجوز أن نغض الطرف ونكتفي باللوم على الأولياء، بينما الأسباب العميقة معروفة ولا تعالج.
إن لم يتحول هذا الملف إلى أولوية وطنية عاجلة، فلن يخسر الوطن فقط أبناءه المهاجرين، بل سيخسر صورته ومعناه لدى من بقوا. لأن الوطن الذي يحتفل فيه الأطفال بالهرب، لم يعد وطنًا يحتضنهم.