الألباب المغربية/ الحاج سعيد الفارسي
ذات صباح من أيام الصيف الجاري، خرجت للتو من منزلي وعلى غير عادتي قررت أن أغير مساري، فاخترت الجلوس بإحدى مقاهي المدينة.
لم يكن في نيتي أكثر من احتساء كأس شاي منعنع مع “اشفنجات”من عند خليفة المرحوم “بالهاشمي” الواقع دكانه بشارع محمد الخامس.
لكن للصدف حديث آخر …من موقعي القابع فيه على أحد المقاعد الجانبية بالمقهى المذكورة لفت انتباهي حوار دافئ بين ستيني وشاب في مقتبل العمر كانا منزوين في زاوية من زوايا المقهى.. فشدني حديثهما الدائر عن المدينة عن ما كانت عليه وما آلت إليه.
حوار لم يكن عاديا، بل مرآة صافية لأوجاعها ومعاناتها… فضولي دفعني (باش ندير سربيس الوذن…) تظاهرت بأنني منشغل بهاتفي واستمعت للحوار، دونت بعيني قبل أن أدون بالقلم، وكأنني أمام مشهد يمثل ما يختلج في صدري منذ زمن
الستيني: (ابن المدينة عائد من الهجرة، ينظر إلى الشاب ثم يخاطبه بصوت فيه غصة )… شوف آوليدي أنا غادرت المدينة وبالمناسبة الغربة هي التي اختارتني غادرت المدينة وهي هادئة، نظيفة، آمنة، اليوم أنا في دوامة! واش هاذي هي أزمور؟ آش هذه الشوهة! الله يعطينا وجوه الخير …..
هاذ اللي كنشوف رآه كارثي!؟ فين هي ديك الروح والنفس والغيرة المعروفة باسم “المواطنة” فين ديك “ليليكانس” اللي معروفين بها ناسها..
شوف آوليدي أنا دابا راني دايخ ما فهمت والو أش وقع المدينة ؟!
شوف ما ديرهاش مني قلة الصواب.. واش أنت من أبناء أزمور؟
الشاب (يرد بهدوء).. نعم آسيد الحاج، ولدت فيها وما عرفتها إلا هكذا…. مدينة متعبة، تظهر عليها علامات البؤس واليأس، وأناسها ينتظرون معجزة لا تأتي
بكل صراحة آعمي المدينة لا تحمل من التمدن إلا الاسم.
المهاجر: (بدهشة مؤلمة): حقيقة يصعب استصغاؤها أزمور لم تكن هكذا…. حين غادرتها أوائل ثمانينيات القرن الماضي كانت المدينة حية، فيها أمل، فيها عراقة، أهلها متمدنون، حضريون لسانهم يقطر عسلا، لغة الأمل والتفاؤل شعارهم
واليوم!؟ مدينة منهكة، مهمشة، محاصرة، تائهة بلا ملامح، من سرق روحها؟ من اتلف رونقها؟ من نزع عنها هيبتها؟ من سمح لها أن تموت؟
أسئلة تحتاج إلى أجوبة….
الشاب: (بتنهيدة عميقة) أييييييه آعمي علينا أن نكون واقعيين، نحن نعيش الواقع… والسياسة لم تترك لنا شيئا،لا من يصغي، ولا من يحاسب .
المهاجر(بصوت مرتفع ونبرة لوم وعتاب قاسي)
أشنو هو دوركم ؟ قصدي أنتم الشباب!
باركين كتفرجو!؟عار وعيب عليكم أنتم عماد المستقبل!
أكثر من ثلاثة عقود وأنا في ديار الغربة قهرا، لكن والله يعلم قلبي هنا.. ولا أنا اليوم بين ظهرانكم فلم أصادف إلا الخراب!!
أنتم أبناء المدينة تركتموها تنهار أمام أعينكم !
أين كنتم حين تسابق الجهلة والانتهازيون على كرسي الجماعة؟
أين كنتم حين استهلكت الوعود في الحملات الانتخابية؟
أين صوتكم ودوركم حين كان الفاسدون، العابثون يعودون للواجهة كل مرة ؟
أين أنتم من المسؤولية؟ من المشاركة؟ من الرفض؟
الشاب(يتلعتم).. البعض منا قاطع الانتخابات…، والآخرون لا يثقون في أحد .
المهاجر:(في غضب صادق).. مقاطعتكم فتحت الباب على مصراعيه لنفس الكائنات الانتخابية التي لا تستحيي أن تعود، ونومكم السياسي هو ما جعل من المدينة غنيمة يتقاسمها المنتفعون.
ولدي العزوف ليس حلا، في نظري أنا “كنشوفو” جريمة ترتكب في حق المدينة.. المدينة لا تحتاج إلى من يتحسر عليها بل إلى من يدافع عنها، يزعج من خانها، ويقلب الطاولة على من يتاجر بها ..
أزمور لا تحتاج إلى متفرجين… بل لمجاهدين في ساحة المواطنة..
أزمور في حاجة لأناس يخدمونها….لا لأناس يستغلونها…..
للإشارة: عبارات تناثرت أثناء النقاش بين المهاجر والشاب:
“كل من يزعم حبه لهذه المدينة ولا يرفع صوته في وجه الرداءة هو جزء من المشكلة” لا للعزوف!! أزمور لأبناءها .. “اللحم ايلا خناز كيهزوه غير ماليه!”.