الألباب المغربية/ لحسن العسبي
في خطوة تاريخية كبيرة، فيها الكثير من ذكاء وفطنة السياسة، قررت الحركة الإنفصالية الكردية (حزب العمال الكردستاني) التركية ابتداء من يومه الإثنين 12 ماي 2025 التخلي نهائيا عن الخيار المسلح وانتهاج أسلوب النضال السياسي الديمقراطي السلمي في مؤتمرها 12 المنعقد بشمال العراق (مجال المنفى الأساسي لهذه الحركة)، تجاوبا مع نداء زعيمها التاريخي عبد الله أوجلان الذي أطلقه من معتقله بتركيا نهاية شهر فبراير الماضي.
هذا تحول كبير في منطقة الشرق الأوسط من مدخل ملف القضية الكردية التي وُزِّعَ شعبها (وهو شعب له كل المقومات الهوياتية الفعلية لشعب، مجالا جغرافيا وهوية حضارية ولغة) على أربعة دول محورية بالمنطقة هي تركيا وإيران والعراق وسورية.
واضح أن قيادة الحركة الكردية في شقها التركي تمتلك فطنة وعي سياسي مكنها من إدراك أن حسابات 2025 ليست هي حسابات 1918، وأن الحسابات الجيوستراتيجية الجديدة بالعالم وبالمنطقة تفرض أسلوب عمل نضالي آخر من داخل المؤسسات القائمة للدول الأربع تلك عبر البوابة الديمقراطية والسياسية السلمية.
علما أن قوة الملف الكردي سياسيا آتية ليس فقط من الأساس الهوياتي للأكراد بل من مجالهم الجغرافي، كونهم شعب وُجِدَ وسيبقى ضمن واحد من أهم المواقع الجغرافية بكامل الشرق الأقصى لآسيا من إيران حتى لبنان وفلسطين (طولا) ومن تركيا حتى الأردن (عرضا)، الذي منحته الطبيعة أن يكون مجال منابع كل مياه الشرق الأوسط. لأنه علينا الإنتباه أن منابع أنهر دجلة والفرات والعاصي وصولا حتى الليطاني كلها آتية من جبال الأكراد وتعبر مجالاتهم الجغرافية اجتماعيا قبل أن تصب في بحر العرب أو في فلسطين ولبنان والأردن.
بالتالي إن قرار حزب العمال الكردستاني وضع السلاح من أجل الإنخراط في المعركة النضالية السياسية السلمية من داخل المؤسسات الرسمية للدول الأربعة، هو انعطافة تاريخية بكل المقاييس.
سيكون من العبث أحيانا (في ما يخصنا مغربيا ومغاربيا) أن نقارن بين حزب العمال الكردستاني وجبهة البوليزاريو، ليس فقط لأن السياقات والأسباب مختلفة، بل أساسا لأن نقطة الخلاف المركزية بينهما هي استقلالية القرار. فالأكراد عبر تنظيماتهم هم سادة قرارهم من زمان، أما جبهة البوليزاريو فعطبها الأساسي أنها ليست سيدة قرارها، بل هي مجرد أداة للإستعمال من قبل نظام سياسي يتوهم أن تحقيق طموحه ليكون قوة إقليمية بشمال إفريقيا لا يمكن أن يتم سوى بإضعاف المغرب، هو النظام الجزائري. بالتالي لا مجال للمقارنة مع وجود الفارق.
