الألباب المغربية/ مرشد الدراجي
تعيش السياحة الوطنية وضعا مقلقا، لم يعد من الممكن تجاهله أو اختزاله في شماعة الحملات الممنهجة التي تتكرر كل موسم، بل أصبح من الضروري التوقف عند مكامن الخلل الحقيقية التي تهدد توازن القطاع من الداخل، وعلى رأسها غلاء الأسعار بشكل مبالغ فيه داخل الفنادق والمطاعم والمقاهي.
في مراكش، القلب النابض للسياحة الوطنية، تظهر الأزمة بأوضح صورها، حيث تسجل المدينة هذا الصيف نسبة فراغ غير مسبوقة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. مشهد الشوارع والمرافق السياحية الخالية يعكس حجم الصدمة التي يعيشها القطاع، ويضع أكثر من علامة استفهام حول تدبير الموسم السياحي وغياب التوازن بين العرض والسعر.
ارتفاع الأسعار لا يقتصر على الفنادق فقط، بل يمتد إلى المقاهي والمطاعم، خصوصا في المناطق السياحية مثل شارع محمد السادس، حيث يواجه الزائر أسعارا خيالية مقابل خدمات عادية، في مشهد يؤكد أن الجشع أصبح القاعدة وليس الاستثناء. هذا الواقع دفع العديد من المغاربة إلى العزوف عن قضاء عطلهم داخل الوطن، بل واللجوء أحيانا إلى وجهات خارجية أقل تكلفة وأكثر احتراما لقدرتهم الشرائية.
ما يحدث اليوم لا يمكن تبريره بمبدأ العرض والطلب، ولا يمكن اختزاله في تأثر ظرفي، بل هو نتيجة منطقية لتراكمات طويلة من سوء التدبير وغياب المراقبة الجادة، ما فتح الباب أمام ممارسات تضر بسمعة السياحة الوطنية وتضرب ثقة المواطن المغربي في مؤسساتها.
والأخطر من كل ما سبق، أن هناك من يصم أذنيه ويغضّ بصره عن الحقيقة، ويرفض تسمية الأمور بمسمياتها، مدفوعا بمنطق التبرير والتجميل. كما أن الإعلام الذي يكتب تحت الطلب في قطاع حساس كالسياحة، يتحول إلى جزء من الأزمة، حين يروّج للركود على أنه انتعاش، ويصف جشع بعض المهنيين على أنه ضحية لحملات مغرضة من جهات أجنبية.
إن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الاعتراف بوجود الخلل، لا بتغطيته بشعارات واهية، وعلى المسؤولين في القطاع أن يقتدوا بملك البلاد في خطاباته، حين لا يتردد في التنويه بالإيجابي، ولكنه لا يتغاضى عن عرض مكامن الخلل والدعوة لتصحيحها. أما الاستمرار في تبرير كل ما هو سلبي بوجود حملات أجنبية ممنهجة، فهو عبث واستغفال لمواطن مغربي ذكي، يدرك جيدا من المسؤول عن تراجع السياحة، ويعي أن الإصلاح لا يتم بالصمت، بل بقول الحقيقة وتحمل المسؤولية.