الألباب المغربية/ عزيز لعويسي
تداولت عدة صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي خبر منع تلميذة من الدراسة بإحدى المؤسسات التعليمية، بسبب ارتدائها للنقاب، وانقسمت الآراء بين من تعاطف مع التلميذة بمبرر حرية اللباس، ومن انتقد طريقة لباسها، بدعوى أنه لباس دخيل على المجتمع، وغريب على الثقافة المغربية الأصيلة، والبعض الثالث لم يتردد في إدانة اللباس وصاحبته، لاعتبارات تربوية وأمنية.
ومهما اتفقنا أو اختلفنا أو طبعنا مع هذا النوع من اللباس الذي تسلل في صمت إلى الوسط المدرسي، نرى أن الظاهرة الآخذة في التمدد، لايمكن البتة، اختزالها في نقاب، بدأ يجد لنفسه موضع قدم في الكثير من الفضاءات التربوية، بل في مجتمع مدرسي يعيش حالة من الفراغ ما لم نقل التسيب على مستوى اللبــــاس، تحضر فيه مشاهد النقاب والحجاب والميني جيب والميني بوط والسراويل الممزقة وغيرها.
في هذا الإطار، من اللازم التذكير أن جميع المؤسسات التعليمية تتوفر على قوانين وأنظمة داخلية، ضابطة للتصرفات ومانعة لكل السلوكات اللامدنية، المخلة بالتربية والقيم والأخلاق، ومع ذلك، يبقى العبث سيد الموقف، ويبقى كل تلميذ/ة يغني على ليلاه، أمام أعيـن سلطة الضبط الإداري، التي تقف عاجزة أو مترددة أو متهاونة في فرض قوانينها وأنظمتها الداخلية.
القواعد القانونية بكل تمظهراتها، لم تشرع وتنزل على أرض الواقع، إلا لضبط العلاقات والسلوكات، وتأطير الحريات، للحيلولة دون وقوع التسيب والفوضى، ولما يتم التهاون في تنفيذها، يحدث الارتباك والاضطراب، وتتقلص الحدود بين الحق والواجب، وتتلاشى الحواجز بين حرية الشخص وحرية الآخر، بالشكل الذي يصعب معه التمييز بين الحرية الشخصية وواجب احترام القانون والامتثال لسلطة المؤسسات، وكان من الممكن أن نتجنب كل هذا الجدل واللغــط، لو حضرت ثقافة احترام القانون داخل المؤسسات التعليمية، وحضرت معها سلطة الضبط والردع.
من باب الحرية، قد نقبل بهذا اللباس الدخيل، ما دام نقبل بوجود أنماط أخـرى من اللباس، بعضه يفتقد لشــروط الحشمة والوقار والحياء، لكن من الناحية الواقعية، قد نتحفظ على هذا النوع من اللباس، لما يحمله من رسائل، خاصة لما يتعلق الأمر بالأستاذة “المنقبـة” لما قد تشكله بنوعية لباسها، وربما بخطابها، من تأثير على تلاميذها، فضلا عما يثيـره من أسئلة مرتبطة بالتعرف على الهوية، ما دامت ملامح الوجه تكون مخفية باستثناء العينين، ويطرح الإشكال سواء أثناء ضبط الأستاذ/ة للغياب، أو أثناء مراقبة الامتحانات الإشهادية، حيث يصعب على المراقبين، التعرف فيما إذا كانت المعنية بالأمر هي نفسها وذاتها أم شخصا أخر،دون إغفال أن هذا النوع من اللباس، قد يكون محفزا على ممارسة الغش المدرسي في بعده الإلكتروني، في بنية مدرسية، ارتقى فيها الغش إلى مستوى “الحق المشـروع”.
من يرفع شعار المعارضة في وجه بعض التلميذات “المنقبات” داخل الفضاءات المدرسية، فمن باب العدل، لابد أن يرفع ذات الشعار، حتى في وجـه نساء التعليم اللواتي اخترن هذا النوع من اللباس، وفي وجـه كل لباس يروج داخل الحرم المدرسي مشوش على التربية والأخلاق العامة، وفي هذا الإطار، من غير اللائق أن نحكم الخناق على نقاب تحضر فيه مشاهد الحشمة والحياء والوقــار، وفي ذات الآن نحتضن أو نطبــع مع لبــاس تحضر فيه صـور التبرج والوقاحة وقلة الحياء، في وسط تربوي، يفترض أن تحضر فيه قيم التربية والدين والأخلاق.
ومهما أسهبنا في النبش في تضاريس “النقاب”ومدى قانونيته داخل الفضاءات المدرسية، بات من اللازم على السلطات الوصية على التربية الوطنية، أن تؤطـر موضوع “اللباس المدرسي” وتحسم في طبيعة اللباس المسموح بـه داخل المدارس، من حيث النوعية والشروط والمواصفات، وتحسم بشكل خاص الجدل بخصوص ما يمكن توصيفه ب”النقاب المدرسي”، ومـدى تأثيراته على الجوانب التربوية والسلوكية للمتعلمين، بما أنه يحمل رسائل وميولات واتجاهات شخصيـة، سواء تعلق الأمر بالتلميذة “المنقبة” أو بالأستاذة “المنقبة”، لأن المدرسة هي ابتداء وانتهاء، مكان للتربية والتعلم، ويلزم تحصينها من كافة التيارات مهما كانت مرجعياتها ودوافعها، ومن خلالها تحصين المتعلمات والمتعلمين من أية مؤثرات خارجية، من شأنها التشويــش على تعلماتهم، أو تغييـر مجرى أفكارهم وتصوراتهم، أو نمط حياتهم.
وإذا كانت المدرسة العمومية تعيش اليوم إصلاحات غير مسبوقة، فقد بات من الضروري، الحسم في مسألة اللباس المدرسي، للحد مما باتت تعيش فيه الكثير من المؤسسات التعليمية، من “فوضى” إذا ما جاز التوصيف، على مستوى اللبــاس، وهذا يفرض إعادة النظر في التشريع المؤطر للباس المدرسي، بما يساعد على وضع قواعد قانونية صريحة وحازمة، تضع التلميذات والتلاميذ في صلب اللباس الذي يتعين التقيد بــه، وستكون الصورة أجمل وأحسن، لو تــم اعتماد “اللباس المدرسي الموحد”، لما يعكسه من مظاهر الانضباط والالتزام والاحترام، ولما يجسده من مشاهد العدالة والمساواة بين التلاميـذ، لأن المدرسة هي فضاء للتربية والتعلم، واكتساب القيم الوطنية والدينية والاجتماعية والإنسانية، وليست معرضا لترويج الأفكار والرسائل والميولات، مهما كان مصدرها أو اتجاهها، مــع ضرورة التذكير، أن الحرية تحتاج إلى الضبط، وإلا تحولت إلى فوضى، والقاعدة القانونية المدرسية، مهما بلغت من المتانة والجودة، تبقى عديمة القيمة، ما لم يتــم أجرأتها وتطبيقها على أرض الواقــع.
على أمل أن يتم ضبط أوتـار المجتمع المدرسي، في ظل ما باتت تعيشه الكثير من المدارس، من مظاهر العبث والتهور والتهاون وانعدام المسؤولية في أوساط التلاميذ، لأن أزمة مدرسة اليوم، هي أزمة تربيـة وقيم وأخـلاق، قبل أن تكون أزمة مناهج وبرامج وطرائق وبنيات استقبال، والمسؤولية هي مسؤولية أسـر متهاونة ومقصرة، وجمعيات آباء وأمهات وأولياء تكتفي بلعب دور “الكومبارس”…، قبل أن تكون مسؤولية مدرسة…
نحتم المقال بتوجيه البوصلة نحو التلميذة “المنقبة” التي طالها المنع، لندعوها وندعو غيرها من التلميذات اللواتي اختــرن هذا النوع من الباس، إلى التركيز في الدراسة، والحرص على تغذية العقل بالمعرفة، وتحصين النفس بالعلم، واستحضار أن الحشمة والوقار، لا يقاسان البتة، بقطعة قماش، قد تشوش على التركيزالدراسي، بل باللباس المحتشم الذي يحضر فيه الوقار والحياء، والمواظبة والمثابرة والجدية في الدارسة، وبحسن الخلق والسلوك القويم، وبمدى احترام المؤسسة والتقيد بقوانينها الداخلية…، وهي ذات الرسالة التي نوجهها إلى آباء وأمهات وأوليـاء التلاميذ، الذين يتحملون مسؤولية تربية وتوجيـه وتأطير أبنائهم وبناتهن، وحسن تنشئتهم على ثقافة الوسطية والاعتدال، واحترام القانون والمؤسسات…
وبما أن موضوع اللباس المدرسي هو الذي شكل الخيط الناظم لهذا المقال، فهي فرصة لدعوة بعض الأساتذة، إلى حسن العناية بالهندام والارتقـاء بمستوى الشخصية والسلوك، لما يجسده ذلك من تعزيــز لجاذبية مهنة التدريـس، ومن تكريــس لصورة مشرقـة وحميدة للأستاذ/ة، تؤهله ليضطلع عن جدارة واستحقاق، بأدوار “التأثير” و”الإبهار” على “جمهور” غير عادي، من المتعلمات والمتعلمين، التأثير الإيجابي فيهم وفيهن، هو تأثير إيجابي في مستقبل أجيال سيحملون شعلة الوطـــن…