الألباب المغربية/ ياسيــن كحلـي*
تشكل الجريمة السيبرانية تحديا كبيرا يواجه المجتمع الدولي والوطني في عصر الثورة الرقمية. فرغم الفوائد العديدة للتكنولوجيا، إلا أنها سهلت أيضا عمليات الاختراق والولوج غير المصرح به إلى المعلومات الشخصية، مما يعرض البنيات التحتية الأساسية لمخاطر كبيرة. يتناول هذا المقال بعمق قضية الجريمة السيبرانية، من خلال تحليل الجهود الدولية والوطنية المبذولة لمكافحتها، مع التركيز على الجانب التشريعي. كما يناقش المقال مدى فعالية هذه التشريعات في مواجهة هذه الجريمة، والتحديات التي تعوق التعاون الدولي في هذا المجال، بالإضافة إلى دور المغرب وجهوده في التصدي لهذه الجرائم.
الفرع الأول: الجهود الدولية بقيادة الأمم المتحدة لمكافحة الجرائم السيبرانية
- دور الأمم المتحدة:
لقد ساهمت الأمم المتحدة بشكل كبير في التصدي للجريمة السيبرانية من خلال عقد مؤتمرات دولية وطرح مبادرات توجيهية. بدأ هذا الدور في مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي عقد في ميلانو عام 1985، حيث تم مناقشة التحديات التي تفرضها الجرائم السيبرانية. تلا ذلك المصادقة على القواعد التوجيهية في هافانا عام 1990، ثم تطرق المؤتمر التاسع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين بالقاهرة عام 1995 إلى التهديدات المتزايدة لهذه الجرائم. وكانت محطة مهمة أخرى هي الاتفاقية الخاصة بمكافحة إساءة استعمال التكنولوجيا لأغراض إجرامية التي تم توقيعها في دجنبر2000. كما استمر هذا الزخم في المؤتمر الثاني عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية الذي عقد في البرازيل عام 2010.
- اتفاقية بودابيست ومكافحة الجريمة السيبرانية:
تعد اتفاقية مجلس أوروبا بشأن الجريمة السيبرانية، التي تم توقيعها في بودابيست عام 2000، من أهم الوثائق الدولية في هذا المجال. وتهدف الاتفاقية إلى وضع إطار قانوني موحد لمكافحة الجرائم السيبرانية عبر الدول.
وقد تناولت الاتفاقية مجموعة من الجرائم التي تهدد سرية وسلامة وإتاحة البيانات والنظم المعلوماتية. وتشمل المواد من 2 إلى 6 من الاتفاقية جرائم مثل الدخول غير المشروع للنظم المعلوماتية، والاعتراض غير القانوني لهذه النظم، والاعتداء على سلامة البيانات. بالإضافة إلى ذلك، تغطي المادتان 7 و8 جرائم التزوير والغش المعلوماتي، بينما تعنى المادة 9 بمكافحة الجرائم الإباحية للأطفال. وتهتم المادة العاشرةبحماية حقوق الملكية الفكرية والحقوق المجاورة. وتعالج المادة الحادية عشرةقضايا الشروع والاشتراك في الجرائم السيبرانية، بينما تتناول الاتفاقية الإجراءات الجنائية والتعاون الدولي اللازم لمكافحة هذه الجرائم.
- أبعاد التعاون الدولي في مكافحة الجرائم السيبرانية:
انطلاقا منالتعاون القضائي الدولي الذي يعد عنصرا حاسما في مكافحة الجريمة السيبرانية، والذي يشمل تبادل المعلومات بين الدول في إطار التعاون المشترك، ونقل الإجراءات القضائية وفقا للمعاهدة النموذجية للأمم المتحدة بشأن نقل الإجراءات في المسائل الجنائية، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود. كما يتضمن التعاون تسليم المجرمين والإنابات القضائية الدولية.
- تحديات تواجه الجهود الدولية في مكافحة الجريمة السيبرانية:
رغم الجهود المبذولة على المستوى الدولي، تواجه مكافحة الجريمة السيبرانية تحديات عدة. من أبرز هذه التحديات عدم التوافق بين القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية، واختلاف النشاط الإجرامي، وتباين النظم التشريعية بين الدول. كما تبرز مشكلة بطء آليات التعاون الدولي وتضارب المصالح بين الدول، بالإضافة إلى صعوبة الموازنة بين مكافحة الجريمة السيبرانية وحماية حقوق الإنسان. ويعد عدم التبليغ عن الجرائم السيبرانية، والاعتماد على الوسائل التقليدية للتعاون الدولي الرسمي، من العوامل التي تحول دون فعالية جهود المكافحة.
الفرع الثاني : المساعي العربية والإقليمية في مواجهة الجريمة السيبرانية
- الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات (2010):
تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون بين الدول العربية في مكافحة جرائم تقنية المعلومات. وتتضمن موادها الأساسية تجريم الدخول والبقاء غير المشروعين إلى نظم تقنية المعلومات، واعتراض سير بياناتها، وإساءة استخدام وسائلها. كما تشمل الاتفاقية تجريم الاحتيال باستخدام تقنيات المعلومات، والاعتداء على الحياة الخاصة والملكية الفكرية، والجرائم المتعلقة بالإرهاب، والمواد الإباحية، والاستخدام غير المشروع لأدوات الدفع الإلكترونية. وقد نصت المادة الحادية والعشرونمن الاتفاقية على تشديد العقوبات في حال ارتكاب الجرائم التقليدية بواسطة تقنية المعلومات. أما المواد من 30 إلى 43، فقد تناولت التعاون القانوني والقضائي بين الدول الأعضاء.
- اتفاقية الاتحاد الأفريقي حول الأمن السيبراني وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي (2014):
تهدف هذه الاتفاقية إلى تنظيم الجريمة السيبرانية وحماية البيانات الشخصية، بالإضافة إلى تنظيم المبادلات الإلكترونية. كما تسعى إلى رسم أهداف ووضع ضوابط لتنظيم وترقية مجتمع المعلوماتية في دول الاتحاد الأفريقي.
- اتفاقية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (CEDEAO) لمحاربة الجريمة السيبرانية (2011):
وقد تناولت هذه الاتفاقية أيضا تنظيم التعاون الإقليمي لمكافحة الجرائم السيبرانية وحماية البيانات الشخصية.
الفرع الثالث : الجهود المغربية في التصدي للجريمة السيبرانية
لقد اتخذ المغرب تدابير فعالة في إطار الجهود المبذولة لمكافحة الجريمة السيبرانية، وذلك من خلال تبني مجموعة من الاستراتيجيات والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية. في سنة 2012،تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني. وفي عام 2018، انضم المغرب إلى اتفاقية بودابيست، كما صادق على الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات سنة 2013 بظهير شريف رقم 1.13.46.
ومن ثم، تكون المنظومة التشريعية الوطنية قد أسهمت في تطوير مجموعة من القوانين والمقتضيات لمعالجة الجرائم السيبرانية، وذلك من خـــلال :
المواد من 3-607 إلى 11-607 لمجموعة القانون الجنائي المغربي.
القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب.
القانون رقم 103.13 به تم تغيير وتتميم الفصلان 1-503 و1-1-503 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، ونذكر كذلك الفصل 2-503 منه، حول تجريم التحرش الجنسي عبر أي وسيلة، بما في ذلك الإنترنت.
القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.
القانون 34.05 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.
مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
قانون رقم 05.20 المتعلق بالأمن السيبراني.
قانون رقم 108.13المتعلق القضاء العسكري (الباب الثاني عشر المرتبط بالجرائم الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات والجرائم الماسة بنظم ووسائل الاتصال التابعة للدفاع الوطني).
ختام القول أن مكافحة الجرائم السيبرانية تحتاج إلى تقوية التعاون الدولي وتحديث القوانين لتواكب التطورات المستمرة في هذا المجال. كما ينبغي استثمار الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة في مكافحة هذه الجريمة المعقدة والمتغيرة. وبالتالي نكون في مقاربتنا لموضوع الجريمة السيبرانية قد اسهمنا في بيانه من خلال تداخل النظم القانونية الدولية والوطنية.
*مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية