الألباب المغربية/ د. الحسين بكار السباعي *
يطرح الإنذار الصارم الذي وجهته وزارة الداخلية إلى الأحزاب السياسية بخصوص تطهير لوائح الترشيحات من المشتبه بتورطهم في قضايا الفساد، سؤال أكثر آنية لكل رد، فهل بإستطاعة الوزارة أن تلعب دور الحكم المحايد في العملية الإنتخابية، وأن تضمن تجديد النخب وفتح المجال أمام الكفاءات والشباب، أم أن المشهد السياسي سيعيد إنتاج نفسه بذات الوجوه والولاءات القديمة؟
إن وزارة الداخلية تبقى المؤهل الوحيد قانونيا ومؤسساتيا لضبط مسار الإنتخابات وضمان نزاهتها، فهي الجهة المسؤولة دستوريا عن السهر على سلامة العمليات الإنتخابية وتنفيذ القوانين المنظمة لها. لكنها في الوقت ذاته مطالبة بالحفاظ على حيادها التام، حتى لا تتحول من ضامن للمنافسة إلى طرف ضمنها. فالتحدي ليس فقط في تفعيل القوانين، بل في ترسيخ الثقة بأن الدولة لا تتدخل في إختيارات الناخبين ولا تفرض مخرجات مسبقة للمشهد الحزبي.
غير أن جوهر الإشكال لا يكمن في وزارة الداخلية بقدر ما يستقر داخل بنية الأحزاب نفسها، التي ما تزال أسيرة منطق الولاء والمصالح الشخصية، وتدور في فلك الزعامات التقليدية التي ترى في التزكية امتياز شخصي لا مسؤولية عمومية. إن المعضلة الحقيقية في المشهد السياسي المغربي ليست في غياب القوانين، بل في غياب الإرادة الداخلية داخل التنظيمات الحزبية لتجديد دمائها، وفي مقاومة متجذرة لأي محاولة لإشراك الكفاءات أو تمكين الشباب من مواقع القرار. لنجد أن أي حياد من طرف الدولة سيظل بلا أثر إذا إستمرت الأحزاب في إنتاج نفس النخب التي فقدت مصداقيتها أمام الرأي العام.
ما تقدم عليه وزارة الداخلية اليوم من تنبيه وتدقيق ومراجعة لآليات الترشيح والتزكية يعكس تحولا عميقا في الفلسفة المؤسسية للدولة، من مراقبة شكلية إلى رقابة جوهرية تستهدف تخليق العملية السياسية من الداخل، وجعل النزاهة معيارا وحيدا للتمثيلية بدل النفوذ المالي أو الزبونية. غير أن نجاح هذا المسار يظل رهينة إصلاحٍ سياسي أوسع يعيد الإعتبار إلى الديمقراطية الداخلية، ويمنع تحويل الأحزاب إلى مقاولات إنتخابية موسمية لا تنتج سوى الوجوه نفسها والشعارات ذاتها. وإن كان إشراف خيرة كفاءات وزارة الداخلية اليوم على إعداد قوانين إنتخابية جديدة يشكل خطوة عملية نحو الحد من إستغلال المال الانتخابي والفساد السياسي، فإن تجديد النخب السياسية يظل رهينا بثلاثة شروط متكاملة، أولها صرامة الدولة في تطبيق القانون، وثانيها إنفتاح الأحزاب على الكفاءات، وثالثها إستعادة المواطن لثقته في جدوى المشاركة السياسية. فبغير هذه المعادلة الثلاثية، ستبقى الإنتخابات تدور في دائرة مغلقة، ويستمر التداول بين نفس الأسماء والوجوه التي أرهقت المشهد وأضعفت الإيمان بالسياسة كأداة للتغيير.
ختاما، إن المغرب يقف اليوم أمام مفترق طرق حقيقي، فإما أن تترجم وزارة الداخلية حيادها إلى ضمان فعلي لتكافؤ الفرص وتداول النخب، فتعيد للحياة السياسية روحها المفقودة، أو تترك الأحزاب لتعيد إنتاج ذات المشهد المأزوم الذي يربط السياسة بالزبونية ويقصي الطاقات الشابة القادرة على الإبداع والإبتكار. فالحياد الحقيقي في زمن العزوف وفقدان الثقة، هو قدرة الدولة على حماية الفعل الديمقراطي من هيمنة المال والنفوذ، وتمكين الكفاءات من ولوج المشهد السياسي على أساس الجدارة لا القرابة.
*محلل سياسي وخبير إستراتيجي