الألباب المغربية/ محمد عبيد
خلقت قضية ممارسة سلوكات لا أخلاقية على طفل بمخيم رأس الماء بإفران إثارة من حيث ترويج التهمة بتعمد إثارة مصطلح “هتك عرض طفل” جدلا في الأوساط المجتمعية..
فلقد شكل خبر تعرض طفل (13 سنة) في مخيم رأس الماء بإقليم إفران لهتك عرضه إثارة وضجة مخلفا معه سخطا لدى كل الأوساط إن الاجتماعية أو المجتمعية التي وصفت الحادث بمصطلح مثير الجدل “محاولة هتك عرض الطفل” داخل فضاء المخيم!… عكس ما أفرزته الأبحاث من تهمة تحرش جنسي.
النازلة التي تفجرت مع بداية الأسبوع الجاري (الثلاثاء 19 غشت 2025)، ذلك حين جرى توقيف مشتبه فيهما مؤطر (28 سنة) ومساعده، وإيداعهما رهن تدابير الحراسة النظرية بسجن تولال بمدينة مكناس في انتظار عرضهما على النيابة العامة للبث في المنسوب إليهما من تهم.
فيما قام أب الضحية باصطحاب ابنه من المخيم، بعد تقديم شكاية في الموضوع.
ووفق وقائع القضية التي تم تداولها فإن رئيس “فضاء سايس” بالمخيم المذكور عاين في حدود الثالثة صباحا من يوم الثلاثاء الأخير بمعية بعض الأطر التربوية سلوكا غير طبيعي من طرف أحد المؤطرين قادم مع جمعية من الدارالبيضاء في حق طفل داخل فضاءات النوم، مما دفعه إلى إشعار مدير مخيم “رأس الماء”، وتم الاستماع إلى شهادة الطفل المعني.
كما أفادت بعض المصادر إلى أن الطفل كان قد أخبر مدير المخيم وباقي الأطر بكون المشتبه فيه قام بلمسه وتقبيله في عنقه خلال تظاهره بالنوم، بعدما سبق له القيام بالأمر نفسه في اليوم الثاني لمرحلة التخييم.
وقد دخلت الجامعة الوطنية للتخييم على خط التوضيح من خلال إصدار بيان عام اعتبرت أن “الحادث المعزول الذي وقع بمخيم رأس الماء هو سلوك مشين لا يمت بصلة إلى الإدارة والأطر التربوية، الذين كانوا السباقين إلى كشفه والتبليغ عنه والتصدي له بكل مسؤولية”.
وأدانت الجامعة بشدة هذا الفعل الدخيل والغريب عن قيم ومبادئ التربية والتخييم، مؤكدة أن مثل هذه التصرفات الفردية لن تُنقص من مكانة فضاءات التخييم الوطنية التي ستظل فضاءات آمنة ومفتوحة لترسيخ قيم المواطنة والتربية السليمة، ومجددة التزامها بالصرامة في مواجهة كل الممارسات المنحرفة، وبالدفاع عن سمعة الأطر التربوية وتضحياتهم في خدمة الأطفال والشباب.
كما أكدت الجامعة الوطنية للتخييم من خلال نفس البلاغ، على أن سلامة الأطفال وأمنهم الجسدي والنفسي يظلان خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، باعتبارها مسؤولية جماعية مشتركة بين جميع الفاعلين: الدولة، المجتمع المدني، والأسر، في إطار عقد ثقة ومسؤولية لا يقبل أي تهاون أو تفريط. واعتبرت الجامعة أن أي سلوك منحرف أو فعل شاذ، كالحادث المدعى به، يبقى فعلاً فردياً معزولاً لا يمكن أن يُنسب إلى منظومة المخيمات التربوية ككل، ولا أن يُعمم على آلاف الأطر والجمعيات العاملة بجد ومسؤولية في هذا الميدان. فالمخيم، شأنه شأن المؤسسات الاجتماعية الأخرى (أسرة، مدرسة، مسجد، حي)، قد يشهد أفعالاً فردية شاذة، لكنها لا تعكس بأي حال من الأحوال القيم التربوية والإنسانية النبيلة التي تقوم عليها فلسفة المخيمات.
وخلص بلاغ الجامعة إلى التعبير عن إدانتها بأشد العبارات “هذا الفعل المشين – إن ثبت – والذي لا يمت بصلة لا للأخلاق ولا للضمير ولا للمبادئ التربوية، فإنها تؤكد أن المخيم كفضاء تربوي وثقافي وإنساني بريء من مثل هذه الانحرافات، وتشدّد على رفض التعميم الجائر الذي قد يطعن في جهود آلاف الأطر التربوية الصادقة والمخلصة، مع احترام قرينة البراءة وانتظار نتائج التحقيقات الرسمية، والإصرار في الوقت نفسه على المتابعة القضائية الصارمة لكل من تسوّل له نفسه الإساءة للطفولة أو خيانة الأمانة التربوية”، داعية الأسر المغربية إلى الثقة في منظمات المجتمع المدني كشريك أساسي في التربية والتنمية، والانخراط في تعزيز هذه الثقة بما يقوي جسور التواصل ويضمن فضاءات تخييمية آمنة ونقية وملهمة..
عن هذه الواقعة علق أحد الأساتذة المهتمين بقضايا الحوادث والإجرام:”…وإن كان الحدث قد حصل بالفعل واعتُقل على إثره مؤطران اثنان، الأول تم ضبطه متلبسًا بالاعتداء، والثاني متهم بالتستر وعدم التبليغ… إلا أن ما يمكن استنتاجه أو تحديد وصفه هو محاولة تعريض طفل للتحرش الجنسي” إذ أن دليل هتك العرض لابد وأن يكون ماديا أو شاهدا أو اعترافا، مثل إصابات أو شهادات طبية أو تسجيلات أو شهود عيان. وفي حالة كانت الواقعة فقط محاولة بدون فعل فعلي أو دليل قوي، يصعب إثبات الجريمة قانونيًا.

التحقيقات جارية والقضاء يتعامل بحزم لحماية الطفل، والجامعة الوطنية للتخييم أكدت أن الحادث فردي ولا يعكس قيم المخيمات.
القضاء ينظر بجدية لأي بلاغ، لكن الحكم يعتمد على الأدلة المتوفرة، خاصة في قضايا الأطفال الحساسة.
وإذا ما كان الفحص الطبي الذي أُعلن عن إنجازه بأمر من النيابة العامة لم يظهر أي دليل على هتك العرض، فهذا يعني أنه ليست إصابات أو علامات جسدية تثبت الاعتداء.
هذا من الممكن أن يصعب إثبات الجريمة، خصوصًا إذا ما كانت هناك أدلة أو شهود آخرين، لكن التحقيق يظل يركز على كل الجوانب، مثل الشهادة النفسية للطفل وأي أدلة إضافية.
بينما دخلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأزرو على خط التنديد والاستنكار لهذه الواقعة حيث أدانت هذا الفعل الشنيع، ومجددة التزامها بالدفاع عن حقوق الطفل باعتبارها قضية محورية، ومؤكدة على ضرورة العمل المشترك بين كل مكونات المجتمع، من مؤسسات رسمية ومنظمات مدنية وأسر، لضمان مستقبل آمن لأطفالنا.
الجمعية في بيانها الذي نتوفر على نسخة منها اعتبرت أن هذه الجريمة ليست مجرد حادث فردي، بل هي انتهاك صارخ لأبسط حقوق الإنسان المكفولة في المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية، وبأن هذه الأفعال الإجرامية تشكل خرقًا واضحًا للالتزامات الدولية للمغرب، وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الدولة المغربية، والتي تنص في مادتها 19 على وجوب “اتخاذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية، أو الإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال، أو الإساءة أو الاستغلال، بما في ذلك الاستغلال الجنسي”. كما تتعارض هذه الجريمة مع البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية.
ولتأكد الجمعية في ختام بيانها على ضرورة الحماية القصوى للأطفال، ومطالبة الجهات المسؤولة بالإسراع في التحقيق وتقديم المتهمين للعدالة، واتخاذ العقوبات الصارمة نظير فعلهم الشنيع، وبتفعيل دور المراقبة الفعالة على جميع الأنشطة الموجهة للأطفال، وتحديد معايير واضحة وصارمة لاختيار وتأهيل الأطر التربوية، مع ضرورة إجراء فحص دقيق لسوابقهم العدلية والنفسية، وبوضع آليات للتبليغ الفوري عن أي حالة اشتباه في الاعتداء على طفل، وتوفير الحماية القانونية والنفسية للمبلغين والأطفال الضحايا.