الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
لم أتلق خبر سقوط الصواريخ الإسرائيلية على الدوحة كحادث عابر في دفتر الحروب المشتعلة.. أراه رسالة معقدة تحمل أكثر من وجه.. فالدوحة ليست غزة ولا بيروت ولا دمشق.. إنها عاصمة خليجية بنت لنفسها صورة “الوسيط” و”الممر الآمن” حيث تختلط السياسة بالدبلوماسية والمال والإعلام.. أن تضربها إسرائيل يعني أن قاعدة “المناطق المحايدة” قد تهاوت..
من وجهة نظري الحدث أخطر من استهداف قيادات حماس في مقرات سكنهم.. إنه إعلان بأن الملاذات السياسية لم تعد ملاذات.. وأن حصانة العواصم لم تعد مضمونة.. الرسالة الأولى وجِّهت إلى قطر: لم تعد وساطتك بطاقة تأمين.. ولم يعد خطاب “التوازن” قادرا على حمايتك.. الرسالة الثانية لحماس: لا جغرافيا تحميك إذا قررت إسرائيل أن تطالك..
لكن الرسالة الأعمق تتجاوز قطر وحماس معا.. الضربة كانت اختبارا لإرادة أميركا وحلفائها.. هل سيتعاملون مع استهداف عاصمة خليجية باعتباره تجاوزا للخطوط الحمراء.. أم سيتركون الأمر يمر كأنه حادث ثانوي؟ أم أن الأمر صدر عنهم في الأصل.. في كل الأحوال.. إسرائيل تربح.. فهي إما تثبت أنها قادرة على أن تُفرض من خلالها قواعد جديدة دون محاسبة..وإما تُرغم الدوحة على إعادة حساباتها في ملفات غزة وإيران..
والخطير أكثر أن هذا القصف ألغى فكرة الجغرافيا الآمنة في الخليج.. إذا كانت الدوحة نفسها عرضة للنار.. فما الذي يمنع أن تمتد الشرارة إلى عواصم أخرى تقدم نفسها كواحات استقرار؟ ما الذي يبقى من الطمأنينة الاستثمارية والسياسية حين تصبح صواريخ تل أبيب ضيفا غير مرغوب فيه على سماء الخليج؟
هنا تتضح الجرأة الحقيقية في الضربة.. إسرائيل لم تستهدف أشخاصا فقط..لقد ضربت مفهوما كاملا.. مفهوم “الحصانة الخليجية”.. وما بعده لن يشبه ما قبله و يبقى هذا مجرد رأي و أتمنى أن يخطئ حدسي حول تصوري للقادم..