جمال الدين مشبال
أعرب الاتحاد التقدمي للمدعين العامين بإسبانيا “وهي جمعية لوكلاء الدولة” في رسالة مفتوحة موجهة لرئيس الحكومة الإسبانية عن أسفه لتغيير موقفه فيما يتعلق بالصحراء الغربية المغربية.
في السياسة والدبلوماسيةعندما توجه رسالة مفتوحة لمسؤول حكومي وتنشر في وسائل الإعلام، يكون المرسل إليه الحقيقي وبالأساس هو القارئ. وبصفتي أحدَ قراء الرسالة وباحثاً في قضية الصحراء الغربية المغربية، لا يسعني إلا التعبير عن الاستغراب الكبير واندهاشي العظيم من النقص الهائل في المعلومات حول هذا الملف وكثرة المعطيات المغلوطة والمغالطات. سيما وأن رجال القانون، الحاملين لهذه الصفة، عليهم واجبات منأهمها معرفة الموضوع الذي يخوضون فيه مع التزام الموضوعية والمسؤولية التي لا ينبغي أن تكون مُغيَّبة في مثل هذه القضايا، خاصة وأن الأمر يتعلق بانتقادات لا أساس لهاموجهة لرئيس الحكومة بسبب موقف يهم المغرب البلد الجار والصديق.
الرسالة المفتوحة تنتقد رئيس الحكومة بسبب “دعمه لمقترح الحكم الذاتي للصحراء الغربية داخل المغرب – الذي تُروِّج له هذه المملكة منذ عام 2007 –لكونه يخرق بشكل صارخ، من بين أمور أخرى ، خطة السلام لعام 1991 ، والتي وقعت عليها المملكة المغربية مع جبهة البوليساريو ، ووافق عليها فيما بعد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
“su respaldo a la propuesta de autonomía para el Sáhara Occidental dentro de Marruecos -que lleva promoviendo este Reino desde el año 2007- incumple flagrantemente, entre otros, el Plan de Paz de 1991, que el propio Reino de Marruecos firmó con el Frente Polisario, luego aprobado por el Consejo de Seguridad de la ONU”.
انه ادعاء يجانب الصواب. بل هوكذب فاضح، وافتراء،واضح، وبهتان.فخطة السلام لميتم تقديمها في عام 1991، وإنما عام 2003 (بقرار مجلس الأمن 1495 في 31 يوليو 2003).وثانياً المغرب لم يوقع عليها قط،بل رفضها رفضا تاماً.
ربما اختلطت عليهم خطة السلام مع خطة أخرى وهيالخطة المعروفة بخطة التسوية التي قدمها الأمين العام للأمم المتحدة بيريس دي كويار وهى التي وقعها المغرب. لكنها مع ذلك لم تكن في عام 1991، بل اعتمدها مجلس الأمن في 27 يونيو 1990 (القرار 658). وبمقتضاها تم الاتفاق على وقف إطلاق النار – ودخل حيز التنفيذ في سبتمبر 1991 – وأنشأ بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) المسؤولة عن مراقبة وقف إطلاق النار وإنشاء الهيئة الانتخابية لإجراء الاستفتاء.
كان من المنتظر، حسب خطة التسوية هذه، أن يتم الاستفتاء خلال سنة،ومرتعشرة اعوام منالمحاولاتالفاشلة والمجهودات المبذولة دون جدوى.فاعتبرت الأمم المتحدة نتيجة ذلك، أنالخطة غير قابلة للتطبيق وبدأت في البحث عن بدائل أخرى – لأنه كما قال المبعوث الشخصي جيمس بيكر – “هناك طرق عديدة لتحقيق تقرير المصير: يمكن ذلكعن طريق الحرب أو الثورة ،أوعن طريق الانتخابات ، التي تتطلب الإرادة الحسنة، أو عن طريق اتفاق ، كما فعلت اطراف اخرى في خلافات أخرى “(الفقرة 40 من تقرير الأمين العام 613-2001) –
ونتيجة لهذا، تم تقديم خطة بيكر الأولى المعروفة باتفاق الإطار القائمة على الحكم الذاتي، كحلوسطبديل بين الاندماج الكامل في المغرب أو الاستقلال التام. لكن الجزائر رفضت الخطة الجديدة ومعها البوليساريو. واقترح الرئيس الجزائري السيد بوتفليقة باسم الجزائر ونيابة عن البوليساريوتقسيم الصحراء والصحراويين كحل بديل (تقرير الامين العام 178/2002). وهو اقتراح تم رفضه بقوة من طرف المغرب، ونتيجة لهذا قدم السيد بيكر مقترحه الثاني المعروف بخطة السلام في عام 2003. وليس في سنة 1991 كما تدَّعي الرسالة الموجهة لرئيس الحكومة الإسباني وهي خطة رفضها المغرب خلافاً لما يدعيه الاتحاد التقدمي لوكلاء الدولة في اسبانيا.
وحيثأن تَدخُّل مجلس الأمن في قضية الصحراء يتم بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة – الذي يتناول التسوية السلمية للنزاعات – فانه لم يكنبإمكانه إجبارالمغرب على قبول خطة السلام.ونتيجة لذلك وصلت القضية إلى الطريق المسدود. ولم يبق حسب المبعوث الشخصي للأمين العام فان فالسوم أمام الأطراف سوىخيارين وهما؛ تمديد الوضع الراهن والإبقاء عليه مجمدا إلى غير نهاية “ستاتو كوو” أو بدء مفاوضات مباشرة بين الطرفين للاتفاق على حل عادل ودائم. البوليساريوأجابت بأنها تختار “استمرار الوضع المجمدالراهن، مدركة تمامًا أن هذا لن يؤدي إلا إلى نزاع مسلح جديد”(أنظر الفقرتان 12 ومن 16 التقرير الأممي 817/2006 ).
وبالتالي يتضح جليا، بأن القول بعدم احترام المغرب لخطة السلام هو مغالطةٌبل هو الافتراءُبعينه.ثانيًا،حتى في حالة الفرضية المقصود في الرسالة هى خطة التسوية، فهذه قد دُفِنت منذ أكثر من عقدين من الزمن من طرف الأمم المتحدة وقُدمت بعدها كبديلكل من اتفاقية الإطار وخطة السلام. كلاهما لم يتمالتوافق عليهما من طرفى النزاع.
للخروج من الطريق المسدودقام المغرب بمبادرة تقديم مشروع للحكم الذاتي.وهذا المشروع منذ تقديمه في عام 2007، تُوليه جميع قرارات مجلس الأمن الثناءوتعترفبالجهود الجادّة وذات المصداقية التي تكتنفه وذلك بإجماع أعضاء مجلس الأمن.
من المؤسف أن الرسالة الموجهة للسيد رئيس الحكومة تتجاهل أن جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تدعم المقترح المغربي. فبعض الأعضاء يعبرون عن ذلك ضمنيًا بدعمهم لقرارات الأمم المتحدةذاتالصلة، في حين أن البعض الآخر يدعمها بشكل رسمي واضح لا غبار عليه ولا لبس فيه. ومن بين هذه الدول فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا ولوكسمبورغ والنمسا وبلغاريا وبولندا والمجر وانضمت إليهم إسبانيا في السنة الفارطة والبرتغال خلال هذا الأسبوع.