الألباب المغربية/ سمير السباعي
يشكل الإعلام الصحفي مدخلا أصيلا لدعم النهوض بالفعل الثقافي بمفهومه الجماهيري الشعبي ببلادنا حيث تأتي المواكبة الإعلامية لعدد من المهرجانات والأحداث الثقافية أحد المداخل التي يمكن من خلالها لصحافتنا الوطنية، أن تمارس دورها التثقيفي كسلطة معرفية لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل أهميتها في جعل سرديات الحدث الثقافي المرصود قابلة للتداول وسط أكبر شريحة من الجمهور المتلقي وعبر كل أشكال المعالجة الإعلامية الممكنة والمعمول بها مهنيا في هذا الباب، دون الحاجة للتذكير بالأهمية التي تضطلع بها الصحافة في نقاش أسئلة الثقافة ببلادنا رغم ما يمكن أن يقال الآن عن ماهية هذا النقاش اليوم شكلا ومضمونا. ويبقى من الضروري أن نتسائل حول واقع التغطيات الإعلامية للمهرجانات الثقافية التي تنظم ببلادنا هنا وهناك ومدى نجاح هذه التغطية أو تلك في الاشتغال بعمق فكري وبممارسة واعية منشودة ضمن الضوابط المهنية المتعارف عليها في المجال، وذلك قصد تسليط الضوء على ما يطرحه هذا النوع من الممارسات من تحدي إنتاج خطاب صحفي بأجناسه المتعددة قادر على الإمساك باللحظة الثقافية بعمق وجعلها مادة خبرية تستجيب لانتظارات المتلقي بمفهومه الجمعي. في هذا السياق نقف ما بين سطور هذه الورقة التوثيقية على لقاء تكويني أطره الصحفي بالقناة الثانية والمكون في الصحافة والإعلام عبد الفتاح مومن، مساء يوم الإثنين 18 غشت 2025، عقب انتهاء الندوة الصحفية التي أعلنت عن تنظيم مهرجان الظاهرة الغيوانية من طرف مجلس مقاطعة الحي المحمدي بالدار البيضاء والذي تم ما بين 20 و23 غشت 2025 في دورته الرابعة.
إجمالا، يمكن الوقوف على ثلاثة محاور موضوعاتية يبدو أنها حركت أرضية هذا الحوار التكويني بين الأستاذ مومن وعدد من ممثلي وسائل الإعلام الإلكتروني بالأساس. أولا، نجد أن الحديث عن الشروط المعرفية الكفيلة بنجاح أي تغطية إعلامية لمهرجان ثقافي قد احتلت مساحة مهمة في عرض عبد الفتاح مومن حيث اختار هذا الأخير، التأكيد على أهمية الانتباه إلى أن التغطية الإعلامية تظل مرهونة بنجاحها بمدى وجود تصور مسبق عن الأهداف الإعلامية المرغوب إنجازاها على أرض الميدان بما يضمن طبيعيا توليد زوايا معالجة مختلفة ومتمايزة تسمح لكل إعلامي (ة) بمقاربة الحدث من عدة مداخل تستجيب من جهة لانتظارات المتلقي وأسئلته الممكنة والمتنوعة حول المهرجان ومن جهة ثانية، تمنع وسائل الإعلام الصحفي الحاضرة من إنتاج نفس السردية الخبرية العمومية المغطية للمهرجان الحدث. ويبقى هذا الشرط المعرفي إن صح التعبير، حسب نفس المتحدث قاعدة أولية أساسية لجعل الممارسة الإعلامية المتحدث عنها تمارس بمنسوب من الوعي عبر زوايا المعالجة الممكن النفاذ منها لتحقيق أهداف المواكبة للحدث ولإنتاج مواد خبرية حاملة لقيمة صحفية مقبولة.
ثانيا، سنجد أن الحديث عن الأدوات الفضلى لصناعة الروبورتاج الخبري المصور كشكل من أشكال المواكبة الإعلامية لأي مهرجان ثقافي كان له نصيب مهم في عرض الأستاذ مومن التكويني، الذي دافع بقوة ليكون هذا النوع من الروبورتاجات منتجا هو الآخر بتصور فكري نسقي واضح ينتصر للفكرة أولا وأخيرا، حيث تصير الصور هنا عبارة عن مقابلات بصرية تعبر إعلاميا عن مضمون فكري له ارتباط جدلي بشكل زاوية المعالجة المنطلق منها أصلا ويكون للحوار مع الأشخاص الحاضرين والمؤثرين في تشكيل سرديات الخبر دور وظيفي يخدم نسقية المادة ككل بشكل مفكر فيه وبأسلوب قصصي، قادر على جذب انتباه المتلقي مع الأخذ بعين الاعتبار أيضا أن إجراء حوارات إعلامية مع المتدخلين في صناعة الحدث الثقافي بعد انقضاء الندوة الصحفية التي تعقد عادة قبيل انطلاق المهرجان يكون أثرها أفضل من طرحها قبل الندوة، نظرا لأن أحاديث هذه الأخيرة تشكل مدخلا جدليا آخر للسؤال الصحفي حول نقاط ذات أهمية بالنسبة للجمهور المتلقي حسب ما يفهم من كلام عبد الفتاح مومن، إن لم نقل أرضية أخرى متحركة لظهور زوايا معالجة جديدة بشكل أني. وحري بالذكر أن المتحدث نفسه لم يفته التنبيه، على أن حضور الصور المفاتيح كمقابلات بصرية لها ارتباط بالفكرة الأم أو زاوية المعالجة الإعلامية بمساحة أكبر داخل الخبر يشكل عامل نجاح فني أدبي إن صح القول للمادة الصحفية المنجزة بعيدا عن تقليدانية الالتقاط المكثف والمبالغ فيه للصور في حالات كثيرة والتي إما أنها تندرج في خانة الصور العامة أو أنها تبتعد عن شرط الفورية والأنية الأزمة لتتبع الخبر ورصده دون تأجيل أو تجريب بصري مبالغ فيه لعدسة التصوير عبر الموبايل. ثالثا، ظهر أن نقاش الآفاق الممكنة لبلوغ الممارسات الإعلامية الميدانية الحالية أقصى درجات نضجها المهني والفكري، قد شكل مساحة موضوعاتية ثالثة في عرض عبد الفتاح مومن حيث أكد هذا الأخير، أن اكتساب المراسل (ة) الإعلامي (ة) للمهارات المهنية والفنية المطلوبة لا ينفصل بتاتا عن ضرورة توسيع مداركه وخبراته الحياتية الواعية بما سينعكس إيجابا على ماهية وعمق الممارسة الإعلامية نفسها بما في ذلك القدرة طبعا على القيام بمونتاج فني فكري للمادة الخبرية المصورة. وهو ما يطرح أهمية انخراط المراسلين أنفسهم بشكل نشيط في برامج التكوين الذاتي لتطوير كفاءاتهم الإعلامية والصحفية بما في ذلك التركيز أثناء الاشتغال مع هذا المنبر أو ذاك على اكتساب ما من شأنه توسيع المدارك أكثر من الانغماس في إنتاج مواد إعلامية مكثفة بحثا عن ما يسمى الرفع من نسب المشاهدة والتي من المفروض أن تتحقق بحكم قيمة المادة المنجزة مهنيا وفنيا وليس اعتمادا على التقاط أخبار فضاءحية هنا أو هناك حسب نفس المتحدث، خصوصا أن تسارع التقنيات الجديدة وتطورها وسهولة الولوج إلى الدرس الإعلامي رقميا أصبح محفزا أكثر على الرقي بشكل الممارسات الإعلامية وجعلها قادرة على الاضطلاع بدورها التثقيفي في زمن البوز الإعلامي الرخيص إن صح القول. ويبقى في الأخير تثمين هذه التجربة التكوينية العابرة والعمل على التكثيف منها وجعلها تقليدا مهنيا حاضرا في المهرجانات الثقافية ببلادنا خاصة تلك التي تنطق ببعض من القيمة الفكرية القابلة لتصير مادة للمعالجات الصحفية المتنوعة مثل مهرجان الظاهرة الغيوانية بالحي المحمدي ولا نقصد هنا تلك المهرجانات الطقوسية التي لا تعدو أن تكون منصات لإنتاج الرداءة الفنية الطوطوية وتقعيدها وسط جمهور مستهلك ذوقه الثقافي العام أصبح يطرح كثيرا من علامات الاستفهام إن لم نقل التخوف على مستقبل الثقافة الجماهيرية ببلادنا.