الألباب المغربية/ بدر شاشا
بعض الناس عندما يسمعون عن توزيع قفة مجانية للفقراء على سبيل المثال، يذهبون ويتظاهرون بالحاجة لأخذها، فينتزعون حق أخيهم الفقير. اقنع بما أعطاك الله لا تمد يدك لرزق أخيك .تعتبر مسألة الدعم الاجتماعي في المغرب من القضايا البالغة الأهمية، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المجتمع المغربي. ومع ازدياد الحاجة إلى تحسين ظروف الفئات الهشة، برزت تحديات جديدة أمام آلية توزيع الدعم الاجتماعي، إذ تظهر إشكاليات صارخة تتجلى في تهافت بعض الأفراد على الدعم رغم عدم استحقاقهم له، الأمر الذي يعكس صورة تراجع القيم الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية لدى البعض ويثير تساؤلات حول عدالة توزيع هذا الدعم.
الواقع يشير إلى وجود فئات من المستفيدين من الدعم رغم امتلاكهم لمنازل وأملاك، بل وبعضهم يتمتع بمداخيل كافية تمكنهم من العيش الكريم دون الحاجة للدعم الحكومي. وبدلًا من ترك الدعم للفئات المحتاجة حقاً، نجد هؤلاء الأشخاص يزاحمون الفقراء والمحتاجين، ما يخلق أزمة حقيقية في منظومة الدعم الاجتماعي. فمن المؤسف أن يصبح التنافس على الموارد المحدودة ظاهرة تضر بالهدف الأساسي للدعم، الذي يفترض أن يوجَّه لمساعدة المحتاجين والضعفاء وتخفيف معاناتهم.
ويظهر هنا عيب كبير يتمثل في عدم دقة أنظمة التصنيف والتحقق، التي تتيح لبعض الأفراد التحايل والحصول على الدعم، سواء عن طريق استغلال ثغرات في النظام. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إعادة تنظيم منظومة الدعم الاجتماعي وتحديد مستحقات الفئات الحقيقية التي تحتاج إلى هذا الدعم بشكل أكثر شفافية وفعالية مع تفعيل مراقبة مباشرة
ولعل الحل يكمن في تبني مقاربة شاملة لإصلاح نظام الدعم الاجتماعي من خلال اعتماد آليات أكثر صرامة ووضوح، بحيث يُمنح الدعم فقط لمن يثبت فعلاً أنه غير قادر على تلبية احتياجاته الأساسية. ويمكن أن تتضمن هذه الآلية تحقيقات دقيقة في الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمستفيدين، بحيث يتم التحقق من وضعهم الاجتماعي ومدى استحقاقهم. كما يمكن تعزيز التعاون مع مختلف الجهات المسؤولة، من بينها المصالح الإدارية والاجتماعية، لتطوير نظام يشمل قاعدة بيانات موحدة، تتيح التتبع المستمر للأفراد والتأكد من استحقاقهم الفعلي.
ومن المهم أن تشمل هذه الآليات جانباً تربوياً واجتماعياً يُعزز من قيم التضامن والمسؤولية، بحيث يتم غرس مفهوم أن الدعم حق لمن لا يملك، وليس وسيلة لكسب سهل يمكن للجميع الاستفادة منه. فمن العيب أن يتغافل البعض عن معاناة إخوانهم، ويزاحموهم على حقهم الشرعي في الدعم، وهم في غنى عنه. إذ لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم دون تعزيز القيم الأخلاقية التي تشدد على ضرورة مساندة من هم في حاجة حقيقية.
وفي إطار هذا الإصلاح، يبقى تطوير ما يسمى بـ سلم الاستحقاق الاجتماعي للدعم أمراً ضرورياً، حيث يمكن اعتماد مؤشرات محددة ومعايير واضحة تضمن عدالة التوزيع. فبإمكان هذا السلم أن يعيد تنظيم الفئات المستفيدة حسب درجات الاحتياج الفعلية، مع تحديد حد أدنى للمداخيل ومستوى المعيشة بحيث يُستبعد من يتجاوز هذا الحد من قائمة المستفيدين.قد يكون من المفيد إدخال تقنيات حديثة في منظومة الدعم الاجتماعي، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية، لتتبع المستفيدين وتحليل البيانات المتعلقة بوضعهم المالي والمعيشي. فالتكنولوجيا الحديثة تتيح أدوات فعالة قادرة على تحديد الفئات الأكثر احتياجاً بدقة وتوفير قاعدة بيانات محدثة، ما يسهم في توجيه الموارد بشكل أمثل. إن دعم الفقراء والمحتاجين هو مسؤولية مجتمعية وأخلاقية تقع على عاتق الدولة والمجتمع على حد سواء. ولكن هذا الدعم يفقد قيمته ومعناه حين يُستغل من قِبل من لا يستحق، فيتحول إلى عبء إضافي على الدولة وحرمان للضعفاء. لذا، يبقى التحدي الأكبر هو إرساء منظومة عادلة وشفافة للدعم الاجتماعي تحترم حاجات المحتاجين وتقطع الطريق على المتلاعبين بحقوقهم.