حليمة صومعي
سنحط الرحال اليوم في واحدة من إحدى الظواهر التي تشهدها مجتمعاتنا بشكل دوري ودائم، ظاهرة ذات أبعاد ثقافية واجتماعية وأخلاقية تربوية، الحديث عن ظاهرة الغش في الإمتحانات التي عرفت انتشاراً واسعا خلال العقدين الأخيرين، دون بروز بوادر بالقضاء عليها أو على الأقل تراجعها. فالإنتشار الكبير جدا لهذه الظاهرة التربوية المقيتة، والتي أصبحت داء عضال يستشري بين أولادنا وبناتنا، وأدت بشكل كبير إلى نتائج كارثية، لأن اعتماد التلاميذ على الغش واكتسابهم طرق جديدة ومبتكرة حوله، جعل الكثير منهم يجعل المثل القائل: “من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه”. هذا المثل الذي انتشر منذ القرن الماضي للفكاهة أصبح الآن شعارا لتلاميذ منظومة التعليم، به يحققون النجاح وهم لا يأبهون.
فالأساس الأول لانتشار الظاهرة هو غياب التقويم التربوي الصحيح، وتقول د. نادية بوضياف بن زعموش مخبر جودة البرامج في التربية في دراسة ميدانية بعنوان ظاهرة الغش في الامتحانات وأسبابه من وجهة نظر كل من المعلم والمتعلم:
” يعد التقويم التربوي أحد الأركان الأساسية للعملية التربوية وهو حجر الزاوية لإجراء أي تطوير تربوي يهدف إلى تحسين عملية التعلم والتعليم في أية دولة. (عبد الناصر القدومي 2008، ص 3). 1.
فالتقويم التربوي الذي يعتبر دور اللآباء والمربين هو أساس المعضلة، والذي يؤدي إلى نتائج تعد مصيرية جدا. فهو كما عرفه عاصم العبوتي في الجزيرة بقوله:
يشير مصطلح الغش إلى الخيانة الأكاديمية، والقانونية، أيْ القيام بأشياء غير قانونية، وهو محاولة الحصول على مساعدة من شخص آخر بهدف ائتمان العمل، وتحسين تقييم الأداء، وبشكلٍ شامل تتصدى الجامعات للغش ومحاولاته، ولأن مسؤولية الطالب تكمن في القيام بهذه المهام ذاتيا، وعليه فإنَّ الغش فقدان جذري للثقة بين الطالب وزملائه وأساتذته ومحيطه التربوي” 2.
فهو خيانة أكاديمية يتيح للشخص أن يتحصل في الامتحان على معلومات ليست من جهده ولم يشتغل عليها بالاجتهاد والسهر ليحقق نجاحا سهلا بلا تعب. وعندما ينجح بلا تعب، فهو أولا يتخطى رفقاءه الطلاب الذين جدوا واجتهدوا، وينال مراتبا مثلهم، ومن جهة أخرى وهي الأفضع، فإن الغش كون لدينا أجيالا غبية بلا أية أسس وتفتقر إلى أبسط مقومات المعرفة، فهي ظاهرة سوسيواجتماعية لها أبعاد كبرى على الفرد والمجتمع، لها أبعاد مختلفة سواء مختلفة تشمل كثيرا من الميادين، وأيضا فهو فساد كبير أدى إلى هشاشة كبرى في منظومة التعليم بشكل خاص.
فهو أيضا وُصف بتزييف الواقع حيث عرفه بكيش بقوله: “فالغش هو سلوك يهدف إلى تزييف الواقع لتحقيق كسب غير مشروع مادي أو معنوي أو إرضاء لحاجة نفسية والغش المدرسي هو تزييف نتائج التقويم” 3.
فالأخطر في هذه الظاهرة حاليا أنها تطورت بشكل كبير وأفضت بمنظومة التعليم إلى الفشل. فأجيال اليوم لما لم يجدوا لديهم وازعا أخلاقيا لمنعهم من الغش، بل حتى آباؤهم البعض منهم يشجع ابنه عليه، فقد ابتكروا طرقا متطورة للغش تدعلهم لا يكتشفهم أحد، وتمر جريمتهم اللاأخلاقية بغير أية متاعب، خصوصا توظيف آليات العولمة وأدوات التكنلوجيا الرهيبة لهذه الغاية، بحيث أن التطور العلمي ساهم في إفشال التطور المعرفي.
والشيء الأكثر خطورة هو أن هذا الغش يجهزون له على مرأى ومسمع من الجميع، وقبل الامتحانات تشهد أزقة بعض المدن رواجا في محلات النسخ والطلبة يتوافدون عليها كخلية النمل، فعندما يصبح الغش على مسمع وأنظارهم والمجتمع يساعدهم فهذا شيء كارثي.
فالطلاب الذين لا يتوفرون على دافعية للمثابرة هم من جعلوا الغش مرتكزا أساسيا وساعدتهم ظروف مجتمعاتهم في تدبير خطة الفشل الثقافي والاجتماعي والأخلاقي. ورغم تعارض الواقع مع هذا، فإنه للأسف أصبح ممارسات تفشت في مجتمعاتنا وأدت بالوعي الثقافي إلى الحضيض.
المصادر
1 د. نادية بوضياف بن زعموش، ظاهرة الغش في الامتحانات وأسبابه من وجهة نظر كل من المعلم والمتعلم (دراسة ميدانية).
2 عاصم العبوتي، الغش في الامتحانات.. وسيلة لإعادة إنتاج جيل لا يقرأ، مدونات الجزيرة 2019.
3 المصدر السابق.