حليمة صومعي
تتعدد الجرائم الكبرى داخل مجتمعاتنا وتخلق حالة من الرعب والذعر بين المواطنين كما تخلق حالة من الفوضى داخل المجتمعات. وتتفاوت درجة خطورة هذه الجرائم من نوع لآخر، لكن يبقى أفظعها هو جرائم القتل وجرائم الاعتداءات الجنسية، ولعل هذا الأخير له خطورته الخاصة كونه يمس الشرف والعفة وكثيرا من الأشياء التي لا يجب المساس بها بالمرة. وهنا سنتطرق إلى ظاهرة اغتصاب الأطفال كجريمة تعد شنعاء ومقرفة وتلوث مجتمعاتنا بشكل كبير. فجريمة اغتصاب الأطفال تنامت بشكل كبير في مجتمعاتنا العربية مؤخرا، بعد أن كانت حكرا على الغرب، وخلال مأساة حدثت مؤخرا بالمغرب، توفي إثرها طفل بعد تعرضه للاغتصاب، فهو جريمة تصنف داخل الاغتصاب بشكل عام، وهو ممارسة الجنس مع امرأة بلا رضاها وأطره القانون ضمن المادة والفصل 486 وهو مشابه لقوانين الاغتصاب الأخرى مع اختلاف في المدد الحبسية في حقوق المغتصبين، وتقول أمينة بوعياش:
” في واحدة من أبرز الإشكاليات التي لا يتوانى المجلس في التشديد عليها، ومن الضروري التذكير بها، في ظل المأساة الجديدة، تكمن في تعريف “الاغتصاب” نفسه في المنظومة الجنائية الوطنية الحالية، الذي لا يشمل جميع أشكال الاعتداء الجنسي، ومن بينها الاعتداء الجنسي على الأطفال. وفقا لما ينص عليه الفصل 486، القانون الجنائي المغربي الإغتصاب يعرف ب “مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها” ويعاقب عليه، باعتباره جريمة، بالحبس خمس سنوات في الحد الأدنى. ويصنف القانون الجنائي جميع الحالات الأخرى، بما في ذلك ما يتعلق بأطفال قاصرين، من كلا الجنسين، ضمن حالات “هتك العرض”، التي تعتبر جنحة عندما ترتكب دون عنف، يعاقب عليها بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات؛ وتعتبر جريمة في حال كان ارتكابها مقرونا باستخدام العنف. (تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن القانون الجنائي لا يقدم أي تعريف لمصطلح “هتك العرض” 1.
فللأسف فإن الأخلاق الاجتماعية والتدبيرات السلطوية الهشة قادتنا إلى الوقوع في أزمة بناء علاقات غير سوية مع الذات ومع الآخر، وهذا هو الذي طبع مجتمعاتنا بهذه النماذج، واضحاً في سوء أحوالنا التي أوصلتنا إلى ماترسات في الحضيض الاجتماعية” التي تسير بنا نحو الهاوية، فما يجعل هذا النوع من الجرائم متفشي بشكل كبير، هو سكون أهل الطفل المغتصب وعدم التحدث والإبلاغ عن الأمر، وهذا سببه الأول نظرا لأنها جرائم حساسة جدا وتتعلق بشرف طفل. فمثلا على مستوى أوروبا فقد قام القانون الإنجليزي بالحسم حول هذه الإشكالية وتبنى إجراء صارما يتمثل في معاقبة من يتهاون في الإبلاغ عن طفل اعتدي عليه جنسيا:
“سيُطلب بشكل قانوني من الأشخاص الذين يعملون مع الأطفال في إنجلترا الإبلاغ عن الاعتداء الجنسي على الأطفال وفي حال عدم الإبلاغ سيتم ملاحقتهم قانونيا، وذلك وفق الخطط التي أعلنت عنها الحكومة. وتمت التوصية بهذه الخطوة، التي ما زالت تخضع للمشورى، منذ العام الماضي من قبل لجنة تحقيق مستقلة بشأن الاعتداء الجنسي على الأطفال (IICSA)” 2.
فعلى مستوى المغرب استفحلت هذه الظاهرة بشكل كبير، وانتبه المجتمع المدني لما آلت إليه الأمور مع تعدد حالات الاغتصاب، وبهذا الصدد نذكر السؤال رقم 10780الذي طرحه على فريق التقدم الديمقراطي من هيئة مجلس النواب، وطرحه رشيد روكبان عن لجنة التعليم و الثقافة والاتصال وكان حول موضوع ظاهرة اغتصاب الأطفال والاعتداء عليهم جنسيا، وجاء فيه:
“السيد الوزير، نوجه لكم هذا السؤال، لفتح النقاش معكم حول موضوع استمرار واستفحال ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال، التي باتت مقلقة إلى حد كبير، كما تشكل نقطة سوداء تسائلنا جميعا وبإلحاح في مجتمعنا، كما حدث مؤخرا بليساسفة بمدينة الدار البيضاء حيث كان الطفل القاصر – عمران- ضحية جريمة اغتصاب نكراء، دون أن ننسى حالات أطفال آخرين تعرضوا لنفس السلوك الإجرامي ببلادنا. وفي نظرنا وإلى جانب شرائح واسعة من مكونات بلادنا، فإن إحدى المعيقات الأساسية التي تحول دون الحد من هذه الظاهرة المشينة، تتمثل في عدم تناسب بشاعة الجرائم وحجم الضرر الذي يصيب الأطفال الضحايا، مع الأحكام الصادرة المخففة بناء على النصوص القانونية الحالية. وعليه، نسائلكم السيد الوزير، عن مقاربتكم لإصلاح الترسانة القانونية وتحيينها والتي من شأنها معالجة هذه الظاهرة تماشيا مع مقترح قانون سبق وأن قدمه فريقنا في الموضوع ؟ وتفضلوا، السيد الوزير، بقبول أسمى عبارات التقدير والاحترام” 3.
فهنا حدد السيد رشيد روكبان السبب في القوانين الهشة المفعلة ضد المغتصبين، مما يجعلهم يتمادون في جرائم الاغتصاب لأن العقوبة لا تجدي في زجرهم، وإصلاح المقاربة بخصوص المواد الزجرية سيسهم بشكل كبير في احتواء الظاهرة. فحماية أطفالنا وبناتنا بشكل صحيح تدخل فيه عدة أولويات لعل أهمها، تفعيل القوانين بشكل صارم بخصوص المعتدين الآثمين المريضين جنسيا، حتى يرتدعوا ويكونوا عبرة لأمثالهم، ووفق دراسة مهمة عن مصير الأطفال الذين تعرضوا للاغتصاب أفادت بتعرضهم لأمراض نفسية شتى تعتبر خطيرة وصعب التعافي منها:
“كما أن هذه المآلات قد تنفتح في النهاية على وضعيات كارثية متصلة بالانتحار والعدوانية المفرطة، في إطار “تسديد الحساب” و”تصفية الدين” مع نظام مجتمعي لم يوفر الأمن والأمان لفائدة الصغار والكبار. كم ينسى صناع القرار في الزمنية العربية الراهنة أن من ثلث عدد السكان إلى الثلثين هي من الأطفال والشباب، وأن حمايتهم من كل ممكنات الاغتصاب الجنسي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي هي ضرورة استراتيجية للبناء والتغيير، وأن لا مستقبل من دون أجيال مُعَافَاةٍ من كل صنوف القهر والهدر” 4.
كما يجب على الأسر إعطاء جانب أكبر من الأولويات لأطفالها ومراقبتهم بشكل دقيق حتى يُتركوا عرضة لعبث الآخرين، كما يجب سواء على الجهات الأمنية من القيام بجهد أكبر لاحتواء الظاهرة، وأيضا فعلى الجهات الحقوقية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بإعطاء هذه الظاهرة وقتا ودعما حتى يساعد في حل جزء منها. ونذكر بهذا الصدد أنه كانت له مجهودات مشهودة لا يجب الإغفال عنها بخصوص دعم تفعيل القوانين الجنائية بهذا الشأن:
“من هذا المنطلق، كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد دعا في مذكرته حول مشروع القانون 10.16 الذي يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، إلى إعادة تعريف الاغتصاب ليشمل جميع أشكال الاعتداء الجنسي، بغض النظر عن جنس الضحية أو المغتصب أو العلاقة بينهما أو وضعهما، كما أوصى بتشديد العقوبات، خاصة عندما يتعلق الأمر بأطفال قاصرين أو غير قادرين على التعبير عن الرضا، حتى يتأتى وضع حد لالتباس والإفلات من العقاب اللذين يقترنان عادة بهذه الحالات” 5.
الهامش
1 أمينة بوعياش: “الاعتداء الجنسي على الأطفال جريمة شنعاء، مهما كانت الظروف، وكيف ما كانت العلاقة بين الضحية والمغتصب… يجب العمل على ردعه من منطلق هذا الأساس” المملكة المغربية المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
2 الاعتداء الجنسي على الأطفال: عدم الإبلاغ عن جرائم الاعتداء يعد خرقاً للقانون الإنجليزي،
أيون ويلز وجيمس فيتزجيرالد، بي بي سي نيوز.
3 هيئة مجلس النواب، لسؤال : 10780، الموضوع : ظاهرة اغتصاب الأطفال والاعتداء عليهم جنسيا
رشيد روكبان 2023.