الألباب المغربية/ محمد خلاف
في قرية منازلها متهالكة ومشتتة هنا وهناك، وأزقتها مقفرة، مستسلمة لقدر التهميش، كأنها “قرية أشباح” يوجد ضريح “بويا عمر” اسم أشهر من نار على علم في بلاد لازال عدد من ساكنيها يؤمنون بالخرافة.. قرية صغيرة تابعة للعطاوية بإقليم قلعة السراغنة، شهرتها تجاوزت المنطقة لتعم مختلف المناطق، كمكان ميزته “اللامعقول والخروج عن المنطق”.. في “بويا عمر” تتحد القرية والولي الصالح لأجل المرضى والحمقى،،،،.قرية مفعمة بالضجيج تتشكل أغلب بناياتها من دور الصفيح، وفقر ظاهر لا تخطئه العين.أمور كثيرة وخطيرة تحدث وراء جدران ضريح بويا عمر، الذي يحج إليه المئات من المرضى طلبا للشفاء و”بركة” القوى الخفية فهل يجدون الشفاء فعلا أم أنهم يعيشون “الجحيم”؟؟؟؟ كما يحكي سعيد الذي أمضى وقتا طويلا هناك في معتقل غوانتنامو المغرب حيث يسود الصمت الذي تكسره بين الفينة والأخرى صرخات المرضى القوية التي تثير رعب من لا يعرف المكان الذي يزوره “المسكونون” كما يعتقد البعض، لكنهم في الغالب مرضى نفسيون وعقليون أو مدمنو مخدرات، وحسب سعيد فإن الجو السائد بين جدران هذا المكان مخيف بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث يتم داخله تكبيل المرضى بالسلاسل الحديدية، بل ويتم تجويعهم وضربهم في كثير من الأحيان، ومن بين ما يتذكره سعيد أن أحد المرضى الذي كان معه في الزنزانة فقد إحدى عينيه جراء حصص التعذيب الكثيرة نظرا لقوته الجسدية، وهناك من يتعرض لسرقة الأموال من قبل حراس المكان، وكان سجان سعيد يتصل بأمه ،ويقول لها (سعيد كيتهدد عليك يخرج يقتلك ) كي تزيد في مدة مكوثه هناك رغم أنه كان سويا فقط من بعض العقد النفسية البسيطة.. ومن بين ما يتذكره سعيد أيضا أن عائلة رجل يملك أراضي كثيرة استدعت أشخاصا مستأجرين من بويا عمر بغية أخذ الرجل الغني إلى “الضريح”، هكذا تمكنوا من اقتسام ثروته فيما بينهم. حيث وصل إلى هناك في كامل قواه العقلية، لكنهم عذبوه وقيدوه كما لو أنه مجنون. عندما تمكن من الهروب، كان يعاني من إعاقة في الظهر بسبب كثرة الضرب الذي تعرض له في بويا عمر. هي قصص تتكرر مع مجموعة من الأشخاص الذين انتهى بهم المطاف في ظلمات بويا عمر, من يدخل إليه في كامل قواه العقلية يخرج منه مجنونا، ومن يدخل إليه مجنونا يخرج منه أكثر يعيش المختلون عقليا ومدمنو المخدرات الذين تأخذهم عائلاتهم إلى بويا عمر لتلقي العلاج وطرد الجن الذي يسكنهم في جحيم حقيقي. وحيث التجول بين أزقة بويا عمر، تسمع صرخات، لا حول لها ولا قوة، من النوافذ الموصدة في البيوت المجاورة (زنازين سرية)، أزقة يشعر فيها الغريب الراغب في اكتشاف ذلك الواقع بالخوف عند الاقتراب من مشاريع تجارية مشبوهة أغنت القرية، ولا تسمح باقتراب غريب قد يهدد أرباحها. من مرضى وحمقى يعانون من اضطرابات عقلية وإدمان على تناول المخدرات، أو مشاكل الإرث مع أفراد عائلاتهم الذين يتركونهم هناك تحت ذريعة أنهم مجانين من أجل الاستيلاء على أموالهم ظلما وبهتانا. “هي ظاهرة شائعة لأن حراس بويا عمر لا يطلبون وثيقة أو رخصة مُسَلَمَة من قبل الطبيب تثبت مرض المحتجز”،
يؤكد سعيد أن حجز مكان في جحيم بويا عمر يقدر مابين 500 و 1000 درهما في الشهر. تدفع العائلات هذا المبلغ مقابل العناية بذويهم المرضى، على الرغم من صعوبة الحديث عن العناية بمفهومها المتعارف عليه، بحيث أن سدنة «السيد» لا يصرفون تقريبا أي شيء في العناية بالمرضى. لا وجود للأطباء والدواء في «السيد»، إذ يُعالج مدمنو المخدرات بطرق بدائية وتقليدية. معاناة في الأغلال والصمت.
كان سعيد يرى أن المرضى يُكَبلون بالسلاسل ويُعَذبون ولا يُقَدم لهم الطعام الكامل، فقط، كسرة خبز وكأس شاي. يحتفظون بالثياب نفسها التي دخلوا بها أول مرة، كما أنهم يتبولون بشكل لا إرادي على أنفسهم. هناك حمامات، لكنها في حالة سيئة، ، يحكي سعيد أن الكثير من العائلات تسأل عن وفاة أبنائها أو إخوانها، غير أن إجابة سدنة «السيد» تقول بأنهم انتحروا. وهم قتلوا من قبل «المافيوزيين» الذين اغتنوا على حساب عذابات المرضى الذين، واستثمروا في الجهل من أجل التحرر من الأرواح الشريرة التي تسكنهم حيث يتطلب الأمر أحيانا كثيرة تقديم الأكباش والدجاج كأضاحي أو قرابين، وهو الشيء الذي يتطلب الكثير من المال، بحيث يفرض عليهم سدنة الضريح أن تكون الأضحية أو القربان من المنطقة التي يوجد بها «السيد». إضافة إلى أن عائلات المرضى تدفع مبالغ مالية كل شهر من أجل سجنهم هناك، وهي التجارة التي تُدر أموالا طائلة على الـ400 عائلة التي تسكن بجوار «السيد»، والتي تعتبر نفسها الوريثة الشرعية لـ”لسيد”. ومن فضائح عصابات بويا عمر أن امرأة زارت رفقة زوجها الضريح، كانت جميلة ورقيقة، كبلوها من قدميها تحت ذريعة أنها إرادة «السيد». فخدروها وتناوبوا على اغتصابها. بعد شهور تمكنت من الفرار من ذلك الجحيم، مع عملية الكرامة،طوت عائلات هؤلاء المرضى تلك الصفحة إلى الأبد، ذلك أن المرء، وبعد زيارة قصيرة إلى المكان بعد إخلاءه يدرك ألا شيء هنا يمت لما كان بصلة، وأنه لم يعد يزور المنطقة سوى عدد قليل من ساكنتها، فيما تبرز معالم النكوص في المحيط الأشبه بقفر.
عاشت عائلة سعيد أياما صعبة، خاصة مع الاكتظاظ الذي عرفته قرية بويا عمر مع توافد العائلات من أجل إخلاء المنازل المحيطة بالضريح، والاختلالات التي شابت عملية “الكرامة”.
بعد أن قدمت عائلته إلى القرية من أجل استعادة سعيد، قضت عائلته ما يناهز أسبوعا متنقلة بين مدينة العطاوية وقرية بويا عمر، مرجعة هذه الوضعية إلى الطابور الطويل الذي كان يجب اجتيازه قبل الخضوع للفحص الطبي، الزائر لقرية بويا عمر الآن يجد صمتا لا يكسره سوى نباح بعض الكلاب المنتشرة في مختلف أرجائها، وبعض السيارات القادمة من العطاوية، وكأن القرية لم تكن أبدا تحيي لياليها بإيقاعات “الحضرة”، وكأن سماءها لم يصلها صراخ المحتجزين في غرف بجانب الضريح، الذي طالما أنارت شموع الزائرين وبخور المريدين محيطه، وبات يكتنفه الظلام.. وحدها رائحة التراب تغمر المكان..