الألباب المغربية
اهتزت أرضنا يوم الجمعة الثامن من شتنبر الجاري، واهتزت قلوبنا أثناء اهتزاز الأرض و جثم الخوف على صدورنا، وأحسسنا باقترابنا من مصيرنا ونقطة النهاية، اهتزت أرضنا وشعرنا وكأن العالم سيتوقف وأن الله سيعلن نهايته، لكن بعد ثواني توقفت الأرض الجدباء عن الاهتزاز والمباني عن التحرك، هكذا أحس البعض في الوهلة الأولى لكن بمرور الوقت أصبحنا نستشعر خطورة الهزة والكارثة التي أحدثها.
تجند الجميع صباح اليوم الموالي وفي مقدمتهم السلطات والوقاية المدنية، من أجل فك العزلة وفتح الطرقات التي دمرت بفعل انهيار الجبال وانزلاق الأحجار الكبيرة والصخور منها، ومن أجل الوصول إلى من قضى ليلته تحت الأنقاض فمنهم من لازال يتنفس بصعوبة وينتظر ساعته، ومنهم من فارق الحياة ولفظ أنفاسه الأخير، وآخرون نجوا بأعجوبة، ويحاولون البوح والحكي عن المشاهد المؤلمة والمخيفة التي عاشوها وشاهدوها تلك الليلة السوداء في نظرهم، ومنهم من لايزال تحت تأثير وهول الصدمة ولازالت الهزات الخفيفة توقظ فيه نفس الشعور بالخوف والهلع.
حشود غفيرة في اتجاه جبال الأطلس الكبير
انتصر الشعب المغربي في مواجهته مع هذه الكارثة البيئية بتضامنه المنقطع النظير، وأكد من جديد أنه شعب حقيقي متماسك ومتضامن، وضرب مثلا يحتذى به في قيم التآزر والتعاون والتضحية، ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا مهما في تحديد مجموعة من الدواوير المنكوبة ونشر نداء استغاثة ساكنتها، وفي تشجيع الآخرين على الانخراط في الحملة الوطنية لجمع التبرعات والمساهمات العينية، وانطلاق شاحنات وعربات مختلفة الأحجام من كافة المدن المغربية نحو المداشر والقرى بكل من أقاليم الحوز، تارودانت، شيشاوة وورزازات، الشيء الذي نجم عن كثرة الاكتظاظ والازدحامات المرورية الخانقة على مستوى الطرق والمسالك الوعرة في الأيام الموالية لزلزال الحوز، وخاصة الطرق التي تؤدي إلى الدواوير المتضررة، التي سقطت وانهارت جميع منازلها وخيم على سماءها جو الحزن والألم بسبب استشهاد أبناءها وعدد كبير من ساكنتها.
خراب شامل والحزن سيعود بعد عودة الجميع
خسرت منزلي وزوجي وفلذات كبدي هكذا صرحت “إبا إيجو”، وتضيف “نعم نجوت بأعجوبة لكنني تمنيت لو أنني لم أركض إلى خارج المنزل وبقيت رفقة ابنتاي وزوجي”، وبعد أن غالبت الدموع “إبا إيجو” قالت “ربي بغاهم خداهم شهداء”، ويمكن اعتبار هذه العبارة هي مسكن آلام السيدة إيجو الروحي الوحيد، لأن ابنتيها وزوجها هم الآن من الشهداء الصالحين وأن لاخوف عليهم، وتسترسل قائلة “فقدنا مجموعة من الأشخاص في دوارنا وخسرت عمي وابنة خالتي أيضا” وتضيف “انظر الجميع هنا حزين نحن الآن نغالب دموعنا فقط لأنكم ضيوفنا ولكونكم صحافة نخجل من إظهار ضعفنا، ومواساتكم لنا خففت عنا قليلا، لكن بمجرد عودتكم إلى بيوتكم سيخيم الحزن على دوارنا من جديد”.
الصحافة وسؤال المهنية
تظهر معادن الرجال في المصائب والكوارث، وتظهر معها انتهازية أشباههم المنعدمون من مشاعر الأخوة والحب والتعاطف، وأولائك الذي جعلوا من هذه الكارثة الطبيعية فرصة للبحث عن المشاهدات والمتاجرة بآلام أولئك البسطاء، وجعلهم مادة للاستهلاك على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، في الآن نفسه طفت فوق السطح كائنات تسمي نفسها صحافة والصحافة بريئة منها براءة الذئب من دم سيدنا يوسف، وتأخذ صورا وفيديوهات من أجل دغدغة مشاعر المشاهد واستفزازها دون مراعاة لأخلاقيات مهنة الصحافة والنشر، وهذا سؤال يطرح نفسه ويسائل السلطات وكافة المتدخلين عن ضرورة خلق آليات رصد وجزر منتحلي صفة الصحافي ومتابعتهم أمام المؤسسات المسؤولة عن ذلك.