الألباب المغربية/ د. حسن شتاتو
تقدّم قطر نموذجًا سياسيًا وإعلاميًا قائمًا على ازدواجية يصعب إخفاؤها: خطاب منمّق مغموس بالوعود والمثاليات، مقابل ممارسات واقعية تتحرك في الاتجاه المعاكس تمامًا.
ففي الوقت الذي تحرّك فيه منصّاتها وذبابها الإلكتروني – من الإخوان المتشددين، وفصائل اليسار الراديكالي، وواجهاتهم الحقوقية – للتشويش على المغرب وضرب مكتسباته، نجدها في الجانب الآخر توقّع عقود الإشهار وتُسوّق كأس العرب فوق نفس العشب الذي حرّضت الناس على مقاطعته.
تدعو بعض الأصوات المرتبطة بقطر إلى “المقاطعة من أجل فلسطين”، بينما تتحرك في الخلف كآلة تجارية لا تتردد في التعاون مع الشركات ذاتها التي تطالب الآخرين بهجرها. شعار يُرفع للضغط، وصفقة تُبرم للاستفادة. أما في المغرب، فتُستعمل نفس الحملات لزرع الشك بين المواطنين ودفعهم إلى مقاطعة شركات تُشغّل أبناءهم، وكأن الاقتصاد الوطني ورقة تفاوض في يد إعلام خارجي لا يهمه سوى خلق ارتباك داخلي.
إن النظام القطري يتقن صناعة الصورة: فضيلة تُعلّق على الجدران نهارًا، ومصلحة تُدبَّر خلف الأبواب ليلًا. خطاب ثوري يصدر للخارج، وجدول أعمال اقتصادي صامت يعمل في الداخل بلا علاقة بما يُعلن.
وهنا، يأتي دورنا نحن المغاربة:
أن نقرأ بوعي ما يُحاك، وأن نميز بين قضايانا الجوهرية وبين معارك وهمية تُدار من الخارج. أن ندرك أن الصحراء المغربية خط أحمر، وأن وحدتنا الوطنية ليست سلعة، وأن اقتصادنا وأمننا الاجتماعي ليسا ملعبًا لتجارب إعلامية تخدم آخرين.
فليقل الجميع ما يشاء… لكن المغرب أولًا وأخيرًا، هو الثابت الذي لا يتغير، وهو البوصلة التي يجب أن تُوجّه كل مواقفنا.