عزيز لعويسي
الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 24 لعيد العرش المجيد، كان خطاب “جدية” بامتياز، تضمن رسائل واضحة موجهة إلى الفاسدين والعابثين ومنعدمي الضمير، الذين باتوا يشكلون أكبر تهديد للقيم المغربية الأصيلة، وأكبر معرقل لما تتطلع إليه الدولة تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، من إقلاع تنموي شامل، وإشعاع دبلوماسي، من شأنه نقل البلد إلى مصاف الدول الصاعدة؛
وفي هذا الإطار، لن نطلب أن تصل الرسالة إلى من يهمهم الأمر، ولن ننتظر منهم أن “يلعنوا الشيطان” ويقطعوا بشكل لارجعة فيه، مع ما يقترفونه في حق الوطن من جرائم واضحة ومستترة، بل نطلب أن تحضر الإرادة الحقيقية التي لا لبس فيها، في التصدي لجبهة الفساد، ومن يختفي وراءها من “اللاجديين”، الذين كرسوا ويكرسون مفهوما للوطن، مقرونا بمفردة “البقرة الحلوب” التي لا تصلح إلا للعبث والنهب والسلب والحلب؛
إرادة حقيقية لابد أن يحضر معها مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” الذي آن الأوان لينتقل من مستوى الشعار إلى مستوى الأجرأة والتطبيق، بعدما تبين أن النداءات والدعوات والرسائل، لازالت عاجزة كل العجز عن كسر شوكة العبث المستشري في عدد من الأوساط، بل ولاتزيد الفاسدين إلا فسادا والعابثين إلا فسادا والمتهورين إلا تهورا، في ظل شيوع “ثقافة العام زين”، التي تكرس واقعا غير الواقع وحقيقة غير الحقيقة؛
وكما جعل عاهل البلاد من ملف الصحراء “نظارة المغرب على العالم” و”معيارا لقياس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، نأمل أن تكون “الجدية” بوصلة الدولة الموجهة نحو الفساد وأخواته، ومنظارا لرصد أعداء الداخل من الفاسدين والعابثين والأنانيين، بالموازاة مع تحريك عجلات قطار “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وبهذا “الثالوث”، يستطيع المغرب رفع التحديات وكسب معركة التنمية الشاملة، وصون اللحمة الوطنية، وتعزيز دولة الحق والقانون والمؤسسات، وإرساء مجتمع المساواة والتنمية والعدالة الاجتماعية؛
سياسة “عفا الله عما سلف” أو “التطبيع مع الفساد” أو ” الهدنة مع منتجي العبث بكل مستوياته، أو “كول وكل” أو “دهن السير يسير”، لم تعد تجدي، بل لم تعد ممكنة إطلاقا في مغرب لم يعد كمغرب الأمس، استحضارا للمتغيرات الدبلوماسية التي طالت ملف الصحراء الغربية المغربية، واعتبارا للرهانات التنموية المطروحة، ولقيمة وثقل الشراكات والتحالفات الاقتصادية والاستراتيجية التي انخرط فيها المغرب بذكاء وتبصر، في سياق جيواستراتيجي إقليمي ودولي موسوم بالقلق والتوجس، يفرض سياسة حازمة وصارمة في مواجهة الفساد ما ظهر منه وما بطن، قوامها “الجدية” و”المسؤولية” و”المحاسبة”، من أجل مغرب عزيز، أقل ما يمكن أن نقدم له في هذا السياق الوطني والإقليمي والدولي، أن نكون “جديين” و”مسؤولين” و”مخلصين” لله والوطن والملك… اتقوا الله في الوطن، فالعبث والفساد في حضرة الوطن، بؤس ووقاحة و”قلة حياء”، بل وجريمة مع سبق الإصرار، تستحق التعامل معها، بما يلزم من الجدية والصرامة والحزم …