الألباب المغربية/ الحسين محامد
في اليوم العالمي للمدرس، يوم تُحتفى فيه الأمم بالأساتذة وتُكرّم جهودهم، يعيش الأستاذ مصطفى أعراب، أستاذ مادة اللغة الأمازيغية بمدرسة ابن رشيق التابعة لمديرية النواصر بالدار البيضاء، وضعًا مؤلمًا يعكس واقع التهميش الذي يطال أساتذة اللغة الأمازيغية في المنظومة التعليمية المغربية. فبدل أن يُكافأ على تفانيه في أداء واجبه التربوي، يجد نفسه مستهدفًا باستفسارات إدارية وُصفت بغير القانونية، في سلوك أثار استياء واسعًا داخل الأوساط التربوية والحقوقية.
تعود تفاصيل القضية إلى يوم الخميس 2 أكتوبر 2025، حين وُجه إلى الأستاذ استفسار بدعوى “التغيب غير المشروع” خلال فترة الدعم المكثف (TARL) الممتدة من 1 شتنبر إلى 27 أكتوبر. غير أن مادة الأمازيغية لا تدخل ضمن هذا البرنامج، وهو ما تؤكده المذكرات الوزارية المنظمة للتدبير المرحلي للدخول المدرسي. وأوضح الأستاذ في رده الكتابي، المدعم بتوقيعه في سجل الحراسة، أنه كان حاضرًا بالمؤسسة إلى حدود الساعة 14:30، وأنه لا يتوفر خلال هذه الفترة على استعمال زمني أو أفواج دراسية ملزمة، لأن الأمازيغية لم تُدرج ضمن المواد المعنية بالدعم المكثف. كما بيّن أن اعتباره في وضعية “تغيب غير مشروع” يتنافى مع النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، الذي يربط التزامات الأستاذ بالجدول الزمني والفصول المسندة إليه.
الأستاذ مصطفى أعراب، الذي يُعد من أبرز مدرّسي اللغة الأمازيغية بالمغرب، سبق أن حاز على جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في ديداكتيك اللغة، ويعد نموذجًا للمربي المخلص والمجتهد في ترسيخ اللغة والهوية الأمازيغية في المدرسة المغربية. غير أن ما يتعرض له اليوم من تضييق لا يمكن فصله عن ممارسات أخرى مألوفة في عدد من المؤسسات التعليمية، حيث يُواجه أساتذة الأمازيغية بمحاولات متكررة لإجبارهم على تدريس مواد لا علاقة لها بتخصصهم، أو تمرير تقويمات وروائز لم تُسند إليهم رسميًا. وعندما يرفضون هذه التكليفات المخالفة للقانون، يُقابلون باستفسارات وتعقيدات إدارية تهدف إلى الضغط عليهم أو إقصائهم تدريجيًا من مهامهم الأصلية.
إن هذه الوضعية تُبرز بوضوح حجم المفارقة التي تطبع التعامل مع اللغة الأمازيغية داخل المؤسسات التعليمية، حيث تُرفع الشعارات الرسمية حول “تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”، بينما يُمارس في الواقع نوع من التهميش الممنهج ضد مدرّسيها. فالأمازيغية التي حُمِلت يومًا على الأكتاف باعتبارها لغة وهوية وطنية، تُهان اليوم في شخص أحد مدرّسيها، في مشهد مؤلم يُفرغ اليوم العالمي للمدرس من معناه.
انطلاقًا من هذه المعطيات، يُعلن المجتمع التربوي تضامنه الكامل مع الأستاذ مصطفى أعراب، ويدين بشدة كل أشكال التضييق والإجراءات غير القانونية التي تمس كرامة المدرسين وحقوقهم التربوية. كما يُحمّل الجهات الوصية مسؤولية ما يتعرض له من ضغط إداري، ويدعو وزارة التربية الوطنية إلى فتح تحقيق عاجل في ملابسات هذه الواقعة، وإنصاف الأستاذ وتمكينه من أداء مهامه في احترام تام لتخصصه ومقتضيات الدستور. إن تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية لا يمكن أن يتحقق عبر الشعارات، بل من خلال ضمان بيئة عمل عادلة وآمنة لمدرّسيها داخل الأقسام.
وفي هذا اليوم الذي يُفترض أن يكون مناسبة للاعتراف بعطاء المدرسين، نجد أنفسنا أمام مفارقة مؤلمة: أستاذ متميز يُكافأ بالاستفسار بدل التكريم، ويُحاصر بالضغط بدل الدعم. إن الدفاع عن كرامة المدرس هو دفاع عن المدرسة العمومية، وعن قيم المساواة والعدالة اللغوية التي يضمنها الدستور المغربي. الكرامة المهنية ليست مطلبًا فئويًا، بل حقٌّ وطني لا يقبل المساومة.