الألباب المغربية/ نادية عسوي
الحياة كثيرًا ما تضعنا أمام مفترق طرق، بين خيارين كلاهما صعب. كأننا نسير على جسر ضيق تحيط به النيران من الجانبين. وهذا ما يعيشه مجتمعنا اليوم: نار المطالب المشروعة التي يرفعها شباب يريد أن يعيش بكرامة، ونار الفوضى التي تحاول أن تطفئ ذلك الصوت.
جيل جديد خرج إلى الساحة، جيل تربى في زمن مفتوح على العالم، يعرف اللغات، ويستعمل التكنولوجيا بطلاقة، ويرى نفسه جزءًا من إنسانية أكبر. هذا الجيل لا يرضى بالانتظار الطويل ولا بالوعود المؤجلة. يريد أن يرى ثمرة جهده في المدرسة والجامعة تتحول إلى فرصة عمل، وإلى مكان يستحقه تحت الشمس.
لكن في قلب هذا المشهد، يندسّ من فقدوا الطريق منذ زمن: شباب تُركوا للشارع والمخدرات والفراغ. هؤلاء لا يحملون نفس الوعي ولا نفس الأمل، فيحوّلون الاحتجاج إلى فوضى، والصوت السلمي إلى صخبٍ يُخيف. وهنا يضيع المعنى، ويصبح من الصعب التمييز بين من يطالب بحقه ومن يصرخ غضبًا بلا هدف.
ومع ذلك، لا يمكن أن نغفل حقيقة أخرى: أحيانًا الفوضى لا تولد من الشارع وحده، بل تشعلها أيادٍ خفية تريد أن يبقى الوضع كما هو. أيادٍ تعرف أن الصخب أسهل وسيلة لطمس جوهر المطالب، وأن التشويش أنجع طريقة لإبقاء الأبواب موصدة في وجه أي تغيير.
إنها صورة مصغّرة لحياتنا جميعًا: بين نار الرغبة في الإصلاح ونار الخوف من الانفلات. بين الأمل الذي يفتح النوافذ، واليأس الذي يغلق الأبواب. بين من يؤمن أن الحوار طريق النجاة، ومن يظن أن القوة وحدها تكفي.
وربما الدرس الأعمق هو أن المجتمعات مثل الأفراد، تحتاج أن تنصت لصوتها الداخلي. أن تفصل بين الغضب الهادم والرغبة البانية. أن تحوّل الشرارة إلى ضوء، لا إلى حريق. النيران قد تحرق، لكنها أيضًا قادرة على أن تكون دفئًا يضيء ليالينا… والاختيار دائمًا بين أيدينا.