الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
أليس هو ذاته الشارع الذي كنتم تطلون عليه من علٍ، أنتم فئة الأكاديميين والصحفيين والسياسيين والنخب التي تظن أن الشرعية حكر على
المنابر الإعلامية ولقاءات الصالونات؟.. لقد طالما قالت هذه الفئة أن جمهور السوشال ميديا لا يمثل الرأي العام وتمادى بعضهم في وصفه بأقذع الأوصاف وصل الأمر إلى أن إحدى المحسوبة على حمامة أخنوش نشرت وسم المبيد الحشري “فليطوكس” على صفحتها الفيسبوكية، حتى فصلوا بين شرعية الجامعة والصحافة وبين شرعية هذا الفضاء الرقمي وذلك بحديث بعضهم عن خلع قبعته الأكاديمية داخل الفضاء الرقمي لأنه يراه فضاء رواده لا يستحقون بذل جهد لمخاطبتهم.
لكن هذا الجمهور، الذي اعتُبِر مجرد “ظلال” كان هناك يتنفس يومه على المنصات يتجادل يصوغ وعيا جديدا، يختبر لغته ويشحذ أسئلته، حتى وإن ظن البعض أن تعليقاته ساذجة أو سطحية.. وصدقوني لو أنكم ارتقيتم إلى مستواه، لو فتحتم أمامه أبواب الإصغاء بدل التهكم ربما كان سيجد فيكم القدوة لكنكم اخترتم السخرية، فاخترقكم وأخرسكم لقد سبقكم إلى الشارع، وها هو اليوم يعبر بأجساده وأصواته عما لم تجرؤ قاعات الندوات ولا الإفتتاحيات ولا منابر السياسة على نقله .
نزوله ليس قطيعة مع العالم الافتراضي هو امتداد له الفضاء الرقمي كان مختبرا، والميدان اليوم هو الامتحان، ومن لم يفهم أن الشرعية اليوم تُبنى أولا هناك، وسط ضجيج النقاشات والتعليقات، لن يفهم معنى هذا التحول. لقد انتهى زمن الوصاية على الرأي، وزمن تَصنيم الشرعية التقليدية. الشرعية اليوم تُصنع في منصات مفتوحة، ثم تُترجم على الأرض في شعارات هتافات، ووجوه غاضبة.
الشارع لم يأت من فراغ هو حصيلة تراكمات وصوت حقيقي لرأي عام ظل البعض يصر على إنكاره. ولعل في هذا الدرس ما يكفي كي يعيد السياسيون والأكاديميون، والصحفيون، والنخب النظر في علاقتهم بجمهور لم يعد يقبل الوصاية، جمهور يتنقل بين العالمين، الافتراضي والواقعي بسلاسة أكبر مما يظنون.
والمفارقة الأشد مرارة بعض من استهزؤوا بالأمس بهذا الجمهور، يحاولون اليوم بدهاء الركوب على الموجة، يتهمون غيرهم بذات الفعل، ويغيرون خطابهم كأنهم لم يسخروا يوما وكأن الذاكرة الجمعية بلا أرشيف.
صدقوني، الشارع اليوم يفضح استعلاءكم. وينبهكم من منبر الشارع أنه لم تعد هناك قبعات تمنع الحقائق من الظهور ولم تعد السخرية كافية لإخفاء الحقيقة..