الألباب المغربية/ بدر شاشا
في المغرب، يظل القطاع الصحي العمومي أحد أبرز المجالات التي تعكس التحديات اليومية التي يواجهها المواطن. المستشفيات العمومية، المفترض أن تكون الملاذ الأول للرعاية الصحية لكل مغربي، تتحول في الواقع إلى فضاء مليء بالصعوبات والمعوقات، حيث يجد المريض نفسه أمام مزيج من الانتظار الطويل، ونقص التجهيزات، وغياب البعد الإنساني في التعامل، وهو ما يضع المواطن في مواجهة مباشرة مع إحباط يومي متكرر.
عند الدخول إلى أي مستشفى عمومي، يلاحظ الزائر فورًا حجم الضغط الهائل على الأطر الطبية والممرّضين، الذين يعملون لساعات طويلة تحت ضغط مستمر. هذا الضغط لا يقتصر على عدد المرضى فحسب، بل يشمل أيضا نقص التجهيزات الأساسية مثل أجهزة التشخيص، والأسرة، والأدوية، والمعدات الجراحية، ما يجعل التعامل مع الحالات الحرجة أكثر صعوبة. المريض الذي يلجأ إلى هذه المرافق يجد نفسه مضطرًا للانتظار لساعات، وأحيانًا لأيام، قبل أن يحصل على استشارة طبية أو إجراء بسيط، وهو وضع يولّد شعورًا بالعجز والإحباط.
المعاناة لا تتوقف عند الانتظار فحسب، بل تمتد إلى طريقة التعامل مع المرضى داخل المستشفى. كثير من المواطنين يشتكون من جفاف التواصل أو البرود في التعامل من قبل بعض الأطر الطبية والإدارية، وهو ما يخلق شعورًا بعدم الاحترام واللامبالاة. هذه الظاهرة لا تعكس بالضرورة قصورًا شخصيًا للأطباء أو الممرضين، بل هي نتاج طبيعي للضغط المهني الكبير وساعات العمل الطويلة، وغياب التدريب الكافي على التواصل الإنساني مع المرضى. في كثير من الحالات، يصبح المريض مجرد رقم في قائمة الانتظار، يتنقل بين الأقسام والإدارات، بينما يبقى شعور القلق والارتباك ملازمًا له طوال فترة وجوده في المستشفى.
نقص التجهيزات الطبية الحديثة يعد من أكبر التحديات التي تواجه المستشفيات العمومية. ففي بعض المستشفيات، يعاني المرضى من ندرة أجهزة التصوير الطبي، أو المعدات الجراحية الأساسية، أو حتى الأدوية الضرورية لعلاج الأمراض المزمنة. هذا النقص يجبر المواطنين على اللجوء إلى القطاع الخاص للحصول على رعاية سريعة وفعالة، وهو أمر لا يستطيع جميع المواطنين تحمّل تكاليفه، ما يزيد من التفاوت الاجتماعي في الحصول على الرعاية الصحية. أما في المناطق النائية والريفية، فقد تكون بعض المراكز الصحية شبه معدومة، أو تفتقر إلى أطباء مختصين، مما يجعل المرضى مجبرين على قطع مسافات طويلة للحصول على أبسط أنواع الخدمات الصحية.
من جهة أخرى، تعكس الإجراءات الإدارية المعقدة داخل المستشفيات العمومية ضعف التنسيق بين مختلف المصالح والإدارات. المريض يحتاج إلى إنجاز عدة وثائق، أو الحصول على تحويلات بين الأقسام، وهو ما يزيد من طول فترة الانتظار ويضاعف الضغط النفسي، خصوصًا على كبار السن وذوي الحالات المزمنة الذين يحتاجون إلى متابعة مستمرة ومتواصلة. هذه العقبات اليومية تعكس أزمة تنظيمية وإدارية تحتاج إلى حلول شاملة، وليس مجرد إصلاحات جزئية أو ترقيعات مؤقتة.
على المستوى السياسي والإداري، هناك محاولات مستمرة لتحسين الواقع الصحي من خلال إنشاء مستشفيات جديدة، وتطوير مراكز صحية قروية، وتحسين شروط عمل الأطر الطبية والممرضين، لكن هذه الإصلاحات غالبًا ما تبقى محدودة التأثير، فهي لا ترافقها رؤية واضحة لتوزيع الموارد بشكل عادل وفعّال، ولا تعالج الفجوة الكبيرة بين جودة الخدمات في المدن الكبرى والمناطق الريفية أو النائية. المواطن المغربي لا يزال الضحية المباشرة لأي خلل في هذا النظام، سواء تعلق الأمر بالنقص في التجهيزات أو ضعف التعامل أو التأخير في الخدمات.
تضاعف الضغط على النظام الصحي العمومي يظهر بشكل واضح في أزمات كالأمراض المزمنة والطوارئ. المستشفيات التي تعاني من الاكتظاظ، ونقص الأطباء، ومحدودية التجهيزات، تجد صعوبة في الاستجابة السريعة للمرضى، مما يؤدي إلى تفاقم الحالات ويزيد من معاناة المواطنين. في كثير من الأحيان، يجد المواطن نفسه مضطرًا للانتقال إلى مستشفى آخر في مدينة مختلفة، أو حتى البحث عن علاج خاص، وهو ما يضاعف الأعباء المالية والنفسية.
الجانب الأهم الذي يبرز من تجربة المواطنين اليومية هو أزمة الثقة بالنظام الصحي العمومي. المواطن الذي يدفع الضرائب ويتوقع الحصول على رعاية صحية محترمة يجد نفسه في مواجهة يومية مع الانتظار الطويل، ونقص الأدوية، والتباين الكبير في جودة الخدمات بين مناطق مختلفة، وتعامل رسمي جاف أحيانًا. هذه المعاناة المستمرة تدفع بعض المواطنين إلى الاعتماد على القطاع الخاص أو الطب التقليدي، وهو ما يزيد من الفجوة بين المواطن والنظام الصحي العام ويضع الدولة أمام تحدي كبير لإعادة بناء الثقة.
الحلول الممكنة تتطلب إصلاحات شاملة تبدأ من تحسين توزيع الأطباء والممرضين على المستوى الجغرافي، وتطوير التجهيزات الطبية الحديثة في جميع المستشفيات، وتسهيل الإجراءات الإدارية، وتقديم تدريب مستمر على التعامل الإنساني مع المرضى. كما يحتاج النظام الصحي إلى استراتيجية طويلة الأمد تضمن تكافؤ الفرص في الحصول على الرعاية الصحية، بحيث لا تعتمد الجودة على المكان أو القدرة المالية للمريض.
الواقع الحالي يوضح أن المستشفيات العمومية في المغرب بحاجة إلى إعادة تأسيس حقيقية، لا تقتصر على تطوير المباني أو شراء الأجهزة، بل تشمل إعادة النظر في إدارة الموارد البشرية، وتحسين مستوى التعامل مع المواطنين، وربط التغطية الصحية بالحاجات الفعلية للمجتمع. المواطن يحتاج اليوم إلى نظام صحي قادر على الاستجابة بسرعة وكفاءة، يحترم كرامته ويمنحه الرعاية التي يستحقها، بعيدًا عن انتظار طويل أو نقص مستمر في الخدمات.
إن الأزمة الصحية في المغرب ليست مجرد نقص في المعدات أو أطباء، بل هي أزمة نظام كامل يحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة، توازن بين الموارد، والاحتياجات، والتوزيع الجغرافي، وضمان جودة التعامل مع كل مواطن، لتصبح المستشفيات العمومية فضاءً يقدم الرعاية الصحية الحقيقية ويعيد الثقة المفقودة بين المواطن والدولة.