سعيد ايت حمو
منذ القدم، تعاقب على المغرب الأقصى حكام كان لهم صيت في الحكمة والحكامة، ولهم نصيب من التحصيل والتكوين في الفقه والبلاغة والعروض والشريعة وبعض العلوم… منذ عهد الأمازيغ إلى يومنا هذا، مرورا بالأدارسة والمرابطين والموحدين والسعديين كان المغرب يساير العصور، تدار أموره بحنكة وبإقتدار، تعاقب عليه سلاطين وملوك لهم حظ وفير من الثقافة والفكر… إزدهرت التجارة والصناعة والمعمار والفلاحة والعمران… كان لكل حقبة حكامها، رجالها… ومعارضيهم… من أبرز ما جادت به معارضة المغرب نذكر عمر بن إدريس الجيلالي إبن الزرهوني والذي اشتهر بلقبيه، الروغي وابو حمارة، ولد سنة 1862 وتوفي سنة 1909 م، هو مهندس طوبوغرافي خريج مدرسة القناطر والطرق بباريس التي التحق بها بعد تميزه بسلك الطلبة المهندسين بالقرويين.
تعاقب على الحكم بالمغرب سلاطين وملوك كان لهم ما لهم من الحنكة والكفاءة، كما قابلهم على الضفة الأخرى معارضون أشاوس لهم نصيبهم من التحصيل والفكر… منهم من سلك الإعتدال والموازنة كعبد الرحيم بوعبيد وعلي يعته رحمهما الباري، واليازغي والناصري، ومنهم من تطرف في بداية مساره النضالي وراجع مواقفه ليلتحق بالإعتدال كآيت يدر واليوسفي والفقيه البصري وحرزني وبن زكري وعبد القادر الشاوي…. ومنهم من كان على أقصى المواقع اليسارية، شب وشاب على مواقفه ومواقعه كالسرفاتي وبن بركة، ومنهم من كان يفكر بقبعة المعارض، لا يقرب السياسة أو يقربها دون مبالغة، لكن لا يبرح الفكر والتنظير كعابد الجابري والمهدي المنجرة والعروي…. هنا أعطي بعض الأمثلة على سبيل الذكر لا الحصر لأن لائحة النضال والمناضلين طويلة وغنية تؤثثها أسماء كان لها صيت في المعارضة وبفضلها وبتفاعلها مع الأنظمة التي عاصرتها بنيت دولة حديثة على أسس عريقة…. فهؤلاء الأساتذة الأفاضل الذين جعلوا من الوطنية معتقدا ومن حب الوطن فلسفة، قارعوا وجادلوا الأنظمة التي عايشوها باحترام المثقف وبوقار الوطني الخلوق…. كان لهم باع طويل في النضال وعطاء جم في السجال السياسي، اعتقلوا، عاشوا المضايقات، بالغ جلادوهم في تعنيف البعض منهم، لكن التاريخ لم يسجل قط أن أحدهم سب بلده أو شتم مواطنا ونعته بأقدح النعوت…. كانت لحكمتهم ولحكامتهم الكلمة العليا، كانت أخلاقهم هي ركائز وجودهم، كانوا خير مثل في الوقار والأدب وخير عنوان للتواضع ولنكران الذات. رحل السي عبد الرحيم إلى دار البقاء ووقف لرحيله البلد بكل شرائحه وأطيافه وقفة إجلال واحترام، مودعا وطنيا معارضا صادقا في حركته وفي سكينته…. قاد الأستاذ اليوسفي حكومة التناوب في ظل الملك الراحل الحسن الثاني بعدما كان محكوما غيابيا بالإعدام… عاد المهندس السرفاتي من منفاه، رغم أنف وزير الداخلية آنذاك، وعاش بالمحمدية تحت رعاية عاهل البلاد إلى أن وافاه أجله…. قاد الأستاذ بنزكري سفينة الإنصاف والمصالحة، وطويت صفحة نفخ فيها السفهاء قبل الأعداء وعاد جباهدة المعارضة لبناء صروح هذا الوطن جنبا إلى جنب مع قيادته مع تمسكهم بمواقفهم وبقناعاتهم، وانطلق التشييد والإعمار والتطوير تحت قيادة عاهل شاب وضع يده في يد المكونات الصادقة لهذا الوطن من معارضين ورجال الدولة وأطر وتقنيين حيث كانت النتائج مبهرة وأكثر مما يمكن أن يتوقعه أكبر المتفائلين…. بل غاص المغرب في أغوار افريقيا ونجح في كسب احترام الأفارقة جنوب الصحراء واستأمنوه على بعض مصالحهم ومؤسساتهم…. عرف المغرب الحديث نكستين فكريتين وأدبيتين وأخلاقيتين، الأولى مع خونة السبعينات والمؤامرتين الحقيرتين: مؤامرة الأخوة أعبابو ومؤامرة عصابة أوفقير وأمقران والنكسة التي ظهرت مع تطور وسائل الإتصال ووسائط المواقع الإجتماعية بظهور مخلوقات هجينة، منعدمة الثقافة، عديمة الأخلاق ومنحطة الفكر… بين الفينة والأخرى يطل علينا هذا أو ذاك، يغوصون في خطابات الكراهية والعدوانية…. يكيلون الشتائم للعباد، يوزعون التهم ويدعون النزاهة والريادة والحكمة… ليس للنكستين أي وقع على واقع الوطن ولا على سيرورة الأشياء… بل هما لا تخصان إلا الحثالة التي صنعتهما… فلا 1200 جندي ورشاشاتهم من AA52 و MAT 49 ولا مسدسات Beretta ولا طائرات F5 نالت من عزيمة العلويين في تأدية رسالتهم التي تعاهدنا عليها منذ المولى علي الشريف، وخلال سنوات معدودة سنحتفل بأربعة قرون من الود والحب والتآخي والتلاحم بين عرش صادق وشعب وفي…. ولا هرطقات غوغائيي اليوتوب وتيك توك وصولاتهم نالت من تلاحم وطن ركب سفينة البناء والتشييد والتحديث وهو مطمئن لكفاءة ربانها، سطر أهدافه بحكمة…. ما يحز في النفس هو الجهالة التي تصاب بها أقوام، والسفهاء لم ولن يصبحوا على ما فعلوا نادمين… أشد على يد كل من أصابهم هؤلاء الصعاليك بسهام شرورهم وأقول لهم أن الله قادر أن يجعل كيدهم في نحورهم…. فجهلهم أجج هوسهم… هم لا ولن يروا أبناء هذا الوطن يعملون ليل نهار، في صمت وبنكران الذات… لا ولن يروا أين وصل البلد…. لا ولن يروا كيف أصبح الإنسان المغربي…. إن غباءهم هو نظارتهم الطبية التي يرون من خلالها العالم من حولهم، فكرهم متوقف عند محطة الكراهية والحقد، تسكنهم نظرية المؤامرة وهم المتآمرون… غرباء في بلاد الغربة متنكرين لوطنهم… فليعلموا أن رحم المعارضة خصبا، يلد معارضين تقام لهم الدنيا وتقعد لحكمتهم، لثقافتهم ولأخلاقهم يحبون وطنهم ويخلصون له كلما استنشقوا نسيمه.