الألباب المغربية/ الحسين محامد
منذ تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001، ظلّت الآمال معقودة على أن يشكل هذا الصرح العلمي والأكاديمي قاطرة للنهوض باللغة الأمازيغية، وفضاءً لاحتضان الطاقات التي نذرت سنوات عمرها في البحث والدراسة والتكوين. كان الاعتقاد السائد أن المؤسسة، بحكم موقعها الاستشاري لدى الملك وشراكاتها الواسعة مع القطاعات الحكومية، ستكون أول من يدافع عن حاملي شواهد الدراسات الأمازيغية، ويمهّد الطريق أمام إدماجهم في الوظيفة العمومية والمجالات الحيوية كالتربية والتعليم والإعلام والثقافة.
غير أنّ الواقع يكشف عن مفارقة مؤلمة، فبينما يرفع المعهد خطاب الدفاع عن الأمازيغية ويؤكد انخراطه في تفعيل مقتضيات الفصل الخامس من دستور 2011، يواجه خريجو الدراسات الأمازيغية مصيرًا قاسيًا عنوانه البطالة والتهميش وانسداد الآفاق.
ففي 24 نونبر 2022، عقدت التنسيقية الوطنية لحاملي الشواهد في الدراسات الأمازيغية اجتماعًا مع الأمين العام للمعهد ومسؤولين مركزيين. الاجتماع حمل في ظاهره بارقة أمل، حيث عبّر مسؤولو المعهد عن تفهمهم لمعاناة الخريجين، واعتبروا تسقيف سن الترشح لمباراة التعليم في 30 سنة قرارًا غير عادل. بل أكثر من ذلك، أكدوا استعداد المعهد للدفاع عن هذه الفئة وتزكية مطالبها لدى رئاسة الحكومة. لكن ما حدث لاحقًا لم يترجم الأقوال إلى أفعال. فالمراسلات التي وُجهت إلى الحكومة لم تجد طريقها إلى التنفيذ، والخصاص الكبير في الموارد البشرية لم يُستثمر لفتح مناصب جديدة تخص خريجي الدراسات الأمازيغية. وبدلًا من ذلك، اختار المعهد الانخراط في برامج تكوين موظفين رسميين، وهو ما اعتبره الخريجون خطوة تراجعية تعمّق الأزمة وتؤجل حلّها لعقود أخرى.
ما يثير الاستغراب أن الفئة ذاتها التي دافعت باستماتة عن بقاء المعهد في وجه الدعوات الرامية إلى حله وإلحاقه بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، هي نفسها التي تتعرض اليوم لتجاهل المؤسسة التي ناصرتها. لقد وقف الخريجون إلى جانب المعهد في محطات صعبة، حين لم تكن توصياته تجد آذانًا صاغية لدى الحكومة، خاصة فيما يتعلق بإدماج الأمازيغية في التعليم. غير أن رد الجميل جاء مخيّبًا للآمال، حيث آثر المعهد الاصطفاف مع الحكومة بدل مواصلة الدفاع عن هؤلاء الشباب.
الأزمة لا تتعلق فقط بمستقبل الخريجين. فهي تضرب في العمق مسار الأمازيغية نفسها. إذ كيف يمكن الحديث عن تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في غياب إرادة لتشغيل المتخصصين فيها؟ وكيف يمكن إدماجها في التعليم والإدارة والإعلام، في الوقت الذي يُقصى فيه خريجوها من فرص العمل، وتُفتح أبواب التوظيف لتخصصات أخرى حظيت بالرعاية منذ الاستقلال؟ إن سياسة تكوين موظفين رسميين في الأمازيغية، بدل الاعتماد على خريجي التخصص، ليست سوى مراوغة تُبطئ إدماج اللغة في مناحي الحياة العامة. فهي تؤجل الحل وتفرغ الدستور من روحه، وتعيدنا إلى ما قبل 2001، وكأن الأمازيغية لم تُكرّس بعد كلغة رسمية.
ما تعيشه هذه الفئة يعكس أزمة ثقة أوسع بين الشباب ومؤسسات الدولة، وبين الوعود والواقع، وبين الخطاب والممارسة. شباب ضحّوا بسنوات من أعمارهم، أنفقوا من وقتهم وجهدهم ومالهم، وحلموا بأن يكونوا جنودًا في خدمة الأمازيغية، فإذا بهم يصطدمون بواقع بئيس لا يعترف بتضحياتهم ولا يفتح لهم أبواب الأمل. إن هذا الوضع المأساوي يجعل الكثيرين يلعنون اليوم الساعة التي قرروا فيها توجيه حياتهم نحو تخصص الدراسات الأمازيغية. بدل أن يكون التخصص جسرًا نحو خدمة الوطن واللغة الأم، تحوّل إلى عبء يثقل كاهلهم ويدفعهم إلى حافة اليأس.
المسؤولية اليوم مشتركة بين الحكومة والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وباقي المؤسسات التي تتغنى بإنجازاتها في مجال الأمازيغية. فالتنصل من تشغيل المتخصصين لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإحباط وتراجع الإقبال على هذا التخصص، ما يهدد مستقبل الأمازيغية برمّتها. والحقيقة التي يجب أن تقال بوضوح هي أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية خان الوعد وخذل أبناءه، وبدل أن يكون درعًا واقيًا للأمازيغية أصبح جزءًا من آلة التهميش والإقصاء، إن استمرار هذا النهج يعني دفن الأمازيغية في رفوف الخطابات الرسمية والشعارات الفارغة، وترك الخريجين يواجهون مصيرهم المظلم، وإذا لم يتحرك المعهد والحكومة اليوم بقرارات جريئة لفتح مناصب حقيقية وتشغيل المتخصصين، فإن التاريخ سيكتب أن الأمازيغية قُبرت على أيدي من ادعوا حمايتها.