الألباب المغربية/ نادية عسوي
أتابع خبر إيمان وما تعرضت له من اعتداء وحشي على يد طليقها، وأقرأ ما كتبته الصحف وما تردده الجمعيات، لكنني أريد أن أتناول الموضوع من زاوية أخرى تتجاوز حدود واقعة فردية إلى مرض متجذر في حياتنا اليومية.
العنف ليس لحظة غضب عابرة، بل هو سلوك يتغذى من تاريخ طويل من الصمت والتبرير. حين نتأمل مسار إيمان ـ من اغتصاب أُجبرت بعده على الزواج بمغتصبها، إلى سنوات من التعنيف، ثم الطلاق، وصولًا إلى اعتداء بشع شوه وجهها وترك عشرات الغرز على جسدها ـ ندرك أن العنف ليس فعلًا فرديًا فقط، بل هو نتاج منظومة تسمح له بالاستمرار.
المقلق أن العنف لا يتوقف عند من يُمارَس عليه، بل يترك أثرًا نفسيًا ينتقل مثل عدوى صامتة. الطفل الذي يكبر على رؤية أمه تُهان قد يعتبر القسوة جزءًا من الرجولة، والفتاة التي تتعرض للإذلال قد تتقبله لاحقًا كأنه قدر طبيعي. هكذا يصبح العنف سلوكًا متوارثًا، وكأنه يسري في الدم، عبر التجربة أو المشاهدة.
ولا يقتصر العنف على النساء وحدهن. هناك رجال يعيشون ألمًا صامتًا، وآباء وأمهات يذوقون مرارة الجفاء بدل البرّ، وأطفال يُربَّون على العصا بدل الكلمة الطيبة. حتى بين الإخوة، يتكرر العنف كلغة للتقليد أو لفرض الذات. وكلما بررنا هذه الأفعال واعتبرناها “شؤونًا عائلية” أو “تربية ضرورية”، كلما ساهمنا في ترسيخها.
من منظور نفسي، العنف يترك ندوبًا لا تُرى بالعين، لكنها تعيش طويلًا في الداخل: خوف مزمن، انعدام ثقة بالنفس، شعور دائم بعدم الأمان. ومن منظور اجتماعي، هو يخلق مجتمعًا هشًا، يخاف الفرد فيه من الفرد، بدل أن يستمد منه الطمأنينة.
الحقيقة أن العنف مرفوض في كل أشكاله: ضد الزوجة، ضد الزوج، ضد الأصول، ضد الفروع، وبين الأطفال أنفسهم. لا استثناءات ولا أعذار. فكل صفعة تترك شرخًا في الروح، وكل شرخ يترك أثرًا في المجتمع.
إيمان اليوم ليست فقط امرأة تعرضت للتشويه، بل هي مرآة نرى فيها انعكاس عيوبنا الجماعية: كيف نصمت حين يجب أن نصرخ، وكيف نبرر ما لا يبرَّر. وإذا لم نكسر هذه الدائرة، فإننا سنواصل إنجاب أجيال تتعلم الخوف بدل الحرية، والقسوة بدل الرحمة.