الألباب المغربية/ نادية عسوي

مجرد لقمة منه كانت كافية لتعيدني إلى حضن الطفولة، إلى الزمن الجميل، إلى حينا الذي كان يضج بالحياة.
كم أفتقد تلك الصباحيات! كان أبي يستيقظ باكرًا ليأخذ مكانه في الطابور، فبائع الإسفنج كان يفتح محله باكرًا ويزدحم الناس أمامه، يعود أبي محمّلًا بـ “التشركة” تتدلى منها الأقراص الذهبية. وكانت أمي، بطريقتها الخاصة، تفرش الصينية، تضع كؤوس الشاي الصغيرة، وتسكب الماء المغلي فوق أوراق النعناع، لتفوح رائحة تملأ البيت دفئًا وطمأنينة. كان ذلك المشهد يتكرر كل أحد، لكنه في عيني الطفلة كان احتفالًا صغيرًا بالفرح.
في حينا، كان الإسفنج أكثر من مجرد فطور. كان طقسًا من طقوس الزمن الجميل، ورمزًا للبساطة التي جمعتنا، رائحته التي تعبق في الأجواء ما زالت تحفظها الذاكرة وتوقظ الحنين.
واليوم، وأنا أتناوله، يملؤني شوق عميق وحنين لا يوصف، أفتقد أيام الطفولة وأيام حينا، أفتقد دفء العائلة والجيران الذين كانوا عائلة ثانية. تلك التفاصيل الصغيرة التي كانت تمنح للحياة طعمها الحقيقي ما زالت تضيء داخلي كلما تذوقت قطعة من الإسفنج.
الإسفنج إذًا ليس مجرد عجين يختمر ليلًا ويُقلى صباحًا. إنه ذاكرة متجسدة، جسر صغير يربطني بحياتي الأولى، ببيوت حينا، وبأيام لا تعود إلا في الذكريات. ومع كل قضمة، أجد نفسي أبتسم وفي قلبي غصة شوق… شوق للطفولة، ولحينا الذي يسكنني أينما ذهبت.