الألباب المغربية/ الحسين محامد
يبدو أن قطاع الصحة في المغرب يعيش واحدة من أعقد أزماته البنيوية، أزمة لم تعد خافية على أحد: المواطن، الطبيب، الممرض، وحتى المسؤول.
كل زيارة لمستشفى عمومي تكفي لتختصر حكاية طويلة من المعاناة، حيث تلتقي قاعة الانتظار بالأسِرّة المتهالكة، وغياب الأطر الطبية، وانعدام التجهيزات، بل حتى أبسط وسائل التطبيب والصيانة.
في الوقت الذي يتحدث فيه الخطاب الرسمي عن تكوين آلاف الأطباء والممرضين، يظل الواقع صادمًا: خصاص مهول، مستشفيات فارغة، ومناطق قروية بلا طبيب واحد، هجرة الأطر نحو الخارج لم تعد استثناء بل قاعدة، بسبب ظروف عمل مزرية، رواتب ضعيفة، وغياب التحفيز.
النتيجة أن المريض المغربي يواجه مصيره وحيدًا، ينتظر أحيانًا ساعات طويلة لمجرد فحص أولي.
من صور العبث أن مستشفيات بأكملها تدار فعليًا من طرف حراس الأمن الخاص بدل الأطباء والممرضين، فيما المريض يبحث عبثًا عمن يستمع لآلامه، والمشهد يزداد قتامة حين تتحول الأروقة إلى فضاءات تسرح فيها القطط بحرية، وكأنها المالكة الحقيقية للأمكنة، بل إن بعض المرضى باتوا يخافون النوم على أسرّة المستشفيات، لا لخطورة مرضهم، بل خوفًا من القطط التي تقفز بجوارهم أو من غياب أدنى شروط النظافة.. إنها صورة قاسية تختزل واقعا مرًّا.
من المفارقات المؤلمة أن بعض المستشفيات تتوفر على أجهزة متطورة بملايين الدراهم، لكنها تبقى مركونة في زوايا مظلمة بسبب غياب الصيانة أو نقص الكفاءات المشغّلة لها، أجهزة الأشعة تتعطل لأشهر، غرف العمليات تغلق لأعطاب بسيطة، فيما يضطر المريض للانتقال مئات الكيلومترات بحثًا عن خدمة قد تكون حقًا بديهيًا في أي دولة أخرى.
من يزور مستشفى عمومي في المدن الصغيرة أو القرى يدرك أن الأمر يتجاوز “خصاصًا” ليصبح “إقصاءً”، جدران متشققة، قاعات باردة، غياب الأدوية، وسوء معاملة أحيانًا نتيجة ضغط رهيب على الأطر القليلة الموجودة… المشهد يختزل سؤالًا بسيطًا: هل هذه فضاءات للتطبيب أم فضاءات لتكريس الألم؟
حين ينهار النظام الصحي العمومي، يجد المواطن نفسه أمام خيار واحد: القطاع الخاص، حيث الأسعار مرتفعة، والفاتورة قد تعني بيع ما يملك.. هنا يتجلى التناقض الأكبر: دستور يضمن الحق في الصحة، وواقع يفرض الصحة كامتياز للأغنياء.
القطاع الصحي ليس ملفًا ثانويًا، بل مرآة لكرامة المواطن. السؤال اليوم ليس هل نملك الإمكانيات؟ بل هل نملك الإرادة السياسية لتدبيرها بشكل عادل وشفاف؟ أين استراتيجية الموارد البشرية ؟ أين مخطط الصيانة والتجهيز؟ وأين الحكامة التي تجعل من صحة المواطن أولوية حقيقية لا شعارًا في المناسبات؟
سيدي الوزير، الصحة ليست مجرد قطاع إداري، بل رهان وجودي.. لا يمكن لمغرب يتطلع للتنمية أن يظل عاجزًا عن ضمان أبسط شروط العلاج لمواطنيه. المطلوب إصلاح جذري، لا ترقيع ظرفي، وإلا فإن الأزمات ستتراكم، وسيبقى المريض المغربي هو الخاسر الأكبر في معادلة لا ترحم.