الألباب المغربية/ الحسين محامد
أحيانًا تختصر صورة واحدة ما تعجز الخطب الطويلة عن قوله، أمام مستشفى الحسن الثاني بأكادير، وفي خضم وقفة احتجاجية صاخبة، برز مشهد استثنائي: أم تحمل رضيعها بين ذراعيها، لتضعه وسط حشود المحتجين.
صورة مؤثرة، لكنها في الآن ذاته اتهام صريح لسياسات صحية أثقلت كاهل الأسر المغربية، وجعلت من الحق في العلاج حلمًا بعيد المنال.
ينص الدستور المغربي على أن الصحة حق مكفول لكل مواطن، غير أن الواقع يفضح الهوة العميقة بين النصوص والواقع. فالمستشفيات العمومية، ومنها مستشفى الحسن الثاني، تواجه خصاصًا مهولًا في الأطر والتجهيزات، وتعرف ارتباكًا في التدبير، إلى درجة بات فيها المواطن المغربي يفقد ثقته في مؤسسة يُفترض أنها الملاذ الأول في لحظات الضعف والمرض.
إن خروج الناس للاحتجاج أمام أبواب المستشفيات ليس حدثًا عابرًا، بل مؤشرًا على أزمة بنيوية في علاقة الدولة بالمواطن، وعلى عجز السياسات العمومية عن ضمان أبسط شروط الكرامة الإنسانية.
الاحتجاجات الشعبية التي تتكرر عبر ربوع الوطن، من أكادير إلى الدار البيضاء، ليست سوى ترجمة لغضب اجتماعي متنامٍ. لكن رمزية إدخال رضيع إلى قلب الاحتجاج تحمل دلالات أعمق: إنها رسالة بأن الأزمة لم تعد تخص الجيل الحالي وحده، بل تهدد مستقبل الأجيال القادمة. فالرضيع الذي يفترض أن يكون بعيدًا عن أجواء الغضب والصرخات، صار شاهدًا صامتًا على عجز السياسات العمومية عن حماية الحق في الحياة.
غير أن السؤال الجوهري يتجاوز حدود المشهد: من يتحمل المسؤولية عن هذا الوضع؟
الحكومة الحالية سبق أن قدّمت وعودًا بإصلاح المنظومة الصحية، غير أن الحصيلة الملموسة لم ترق إلى مستوى التطلعات، وهو ما يفرض على المواطن المغربي أن يدرك أن التغيير لا يصنع في الشارع وحده، بل في صناديق الاقتراع أيضًا.
إن التصويت ينبغي أن يتحول إلى وسيلة للمحاسبة، وخصوصًا عبر ما يُعرف بـ التصويت العقابي ضد الأحزاب المشكلة للحكومة الحالية. فالصوت الانتخابي ليس إجراءً شكليًا، بل سلاحًا ديمقراطيًا لمعاقبة من أخلف الوعود، وإجبار الفاعلين السياسيين على إعادة النظر في أولوياتهم.
صورة الرضيع أمام مستشفى الحسن الثاني ليست مجرد لقطة عابرة في وقفة احتجاجية، بل هي مرآة تعكس أزمة عميقة في السياسات الصحية، ورسالة تنبيه لكل من يعتقد أن الصمت الشعبي يعني الرضا. إنها تضعنا أمام سؤال مصيري: أي وطن نريد أن نورثه لأطفالنا ؟
إن الصمت عن الفشل اليوم يعني تكريس المعاناة غدًا، أما المشاركة الواعية والاختيار الانتخابي المسؤول، فهما السبيل الوحيد لإعادة الاعتبار للحق في الصحة، وضمان أن لا يظل المواطن المغربي مضطرًا لحمل أطفاله إلى الشارع طلبًا للكرامة.