الألباب المغربية/ مصطفى المنوزي
إذا ربطنا ما وقع في فرنسا ـ إسقاط حكومة بايرو عبر عدم نيلها الثقة ـ بما يسمى في المغرب العقلنة البرلمانية، يمكن ملاحظة الفوارق والتقاطعات:
- السياق الفرنسي:
البرلمان الفرنسي مارس سلطته الكاملة في حجب الثقة، فأطاح بالحكومة.
هذا يعكس منطق “البرلمانية الكلاسيكية”، حيث الحكومة منبثقة من الأغلبية وتخضع لمراقبة قوية، مع إمكانية السقوط بمجرد فقدان الثقة.
- السياق المغربي:
منذ دستور 1962 ثم دستور 1996 وصولًا إلى دستور 2011، اعتمد المغرب خيار العقلنة البرلمانية، وهو نظام يهدف إلى تقييد البرلمان بإسم منع “الفوضى البرلمانية” أو علة “الابتزاز السياسي” للحكومة.
أدوات ذلك: رفع النصاب القانوني لإسقاط الحكومة (مثلاً: ملتمس الرقابة يحتاج إلى ثلثي الأعضاء – تقليص إمكانية طرح الثقة – تعزيز موقع الملك في التوازن المؤسساتي، باعتباره الحكم وضامن الاستمرارية.
- التأثير المحتمل:
ما حدث في فرنسا يظهر أن العقلنة غير موجودة هناك بنفس القوة، وبالتالي الحكومة معرضة دومًا للسقوط إذا اختلت التوازنات.
في المغرب، العقلنة البرلمانية تمنح الحكومة هامش أوسع للاستقرار، حتى لو ضعفت سياسياً أو أخفقت، لأنها محصنة إجرائياً ضد السقوط السهل ، لكن هذا يولد إشكالاً: الاستقرار قد يتحول إلى جمود، حيث تستمر حكومة فاقدة للفعالية أو المشروعية الشعبية فقط لغياب إمكانية إسقاطها.
- البعد الاستشرافي:
تجربة فرنسا قد تعيد النقاش في المغرب:
هل الاستقرار أهم من التداول الديمقراطي الحقيقي؟
وهل نحتاج إلى “عقلنة مرنة” بدل “عقلنة مفرطة”؟
مع تعقّد المشهد الحزبي، يبقى خطر الفراغ السياسي هاجسًا، وهو ما يجعل المغرب متشبثًا بالعقلنة؛ غير أن التحولات المقبلة (ضغط الشارع، دينامية الشباب، ضعف المشاركة) قد تدفع نحو إعادة التفكير في التوازن بين استقرار الحكومة وضمان رقابة برلمانية فعلية.