الألباب المغربية/ ميمونة الحاج داهي
مقال “لوموند” الأخير عن الملك محمد السادس ليس مجرد تحليل أجنبي هو مكاشفة لمشكل أعمق في المغرب حيث ضعف الصحافة الوطنية والتعلق المفرط بالإعلام الغربي يتركان المواطن عرضة للتوجيه الخارجي.. “لوموند” تختار صورا محددة ولحظات مضطربة لتبني سردية لا تعكس السياق الكامل للمملكة ولا الديناميات الداخلية التي تحكمها.. لكن المخاطر الحقيقية ليست في ما كتبته الصحافة الفرنسية بل في كيفية استهلاك هذه الصور داخليا.
هنا تظهر عقدة الأجنبي بوضوح: نخبة من المسؤولين المغاربة بل وجمهور واسع، يميلون إلى متابعة الصحافة الأجنبية والاعتماد عليها كمصدر موثوق أكثر من وسائل الإعلام الوطنية، التي لم تُثبت استقلاليتها أو قدرتها على فرض مصداقيتها و النتيجة ؟؟ المواطن المغربي يتلاطم بين الواقع وبين الصورة المفروضة عليه من الخارج.. بينما الإعلام المحلي عاجز عن حماية وعيه.
هذه الهشاشة الإعلامية تجعل من السهل على الغرب أن يمرر رسائل مشوهة أو مفبركة.. مستغلا نظرة الاستعلاء التي تراكمت تاريخيا.. والفراغ المعلوماتي المحلي.. القارئ المغربي.. مهما كان متابعا ومطلعا، يبقى محاصَرا بين الحقيقة والفرضيات الأجنبية، ويصعب عليه بناء تصور متكامل عن وطنه ومؤسساته.
“لوموند” ليست مجرد صحافة نقدية بل أصبحت، بفضل هشاشة الإعلام الوطني، أداة غير مباشرة للتحكم في الإدراك الوطني.. وكلما استمرت الصحافة المغربية في فقدان ألوانها المهنية واستقلالها، كلما زاد تأثير الخارج على وعي الداخل. هذا ليس مجرد انتقاد إنما هو تحذير سياسي استراتيجي: إصلاح الإعلام الوطني ضرورة ملحة ليصبح درعا حقيقيا ضد الرسائل الأجنبية التي تخترق وعينا بسهولة.
حتى الآن، ما يراه المغاربة في “لوموند” يعكس خوفهم فضولهم وعقدتهم التاريخية تجاه الغرب وليس بالضرورة الواقع الكامل. وهنا تكمن المأساة ضعف الإعلام الداخلي يجعل الوطن مسرحا للقراءات الخارجية، فيما المسؤولون المغاربة أنفسهم لا يتحركون لإصلاح المنظومة الإعلامية لتصبح قوة مقاومة لهذا الاختراق.
في المحصلة، ما كتبه “لوموند” ليس نقدا للملك فقط، بل انعكاسًا صادقًا لهشاشة وعينا الوطني.. إصلاح الإعلام، تمكين الصحافة الوطنية من الاستقلالية، واستعادة المهنية ليس رفاهية بل استراتيجية بقاء: عندما يصبح المواطن قادرا على التمييز بين ما يُفرض عليه من الخارج وما يقدمه الداخل يمكننا الحديث عن وعي وطني حقيقي وعن حماية المملكة من التلاعب الخارجي في زمن تتزايد فيه الأخبار المزيفة وسهولة اختراق الإدراك.