عزيز لعويسي
في خطاب موجه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 24 لجلوسه على عرش أسلافه المنعمين، حافظ الملك محمد السادس على نفس النهج السياسي والدبلوماسي، في تعامله مع النظام الجزائري، وهو يمد يد الأخوة والصداقة وحسن الجوار إلى الجزائر قيادة وشعبا، مؤكدا مرة أخرى أن “المغرب لن يكون أبدا مصدر شر أو سوء للجزائر”، معبرا عن أمله في عودة العلاقات إلى طبيعتها، بفتح الحدود بين البلدين والشعبين الجارين والصديقين، وهو ذات النهج، الذي بصم خطاب العرش للسنة الماضية؛
يد ممدودة، عاكسة لإرادة ملك مسؤول ومتبصر، لم تزده الممارسات العدائية للنظام الحاكم بالجزائر، إلا رغبة وإصرارا وعزيمة وإلحاحا، في فتح الحدود الموصدة بين البلدين، والرهان المشترك على بناء علاقات مسؤولة، تتجاوز رواسب الماضي، وتتخطى أسباب الخلاف، بما يساعد على المضي قدما نحو مستقبل آمن ومستقر ومزدهر للشعبين الشقيقين المغربي والجزائري؛
وحتى لو كنا فاقدين الأمل حد اليأس، في نظام مزاجي بلغ من العداء والحقد عثيا، نأمل أن تجد “اليد الممدودة” هذه المرة، ما تستحقه من عناية واهتمام وتقدير من جانب القيادة الجزائرية، التي آن لها الأوان، أن تستوعب أن ملف الصحراء قد حسم، وتدرك أن الرهان الأعمى على عصابة تندوف، لن يقود إلا إلى حافة العزلة والبؤس والإفلاس، بل وأن تعي أن رهانها على الوهم والسراب، لن تكون فاتورته إلا ثقيلة وثقيلة جدا على الجزائر وشعبها الذي يستحق كل الخير، ومكلفة على أمن واستقرار البلدين الجارين وعلى الفضاء المغاربي برمته، في سياق جيوسياسي إقليمي ودولي، يدعو إلى التعقل والرصانة، والجنوح الذي لا محيد عنه، نحو الوحدة ولم الشمل وتقاسم المنافع والخيرات، وتوحيد الطاقات والقدرات لمواجهة التحديات المشتركة؛
اليد الممدودة للملك محمد السادس، هي مرآة عاكسة لملك مسؤول، يعي كل الوعي أن أمن المغرب من أمن الجزائر، واستقرار المغرب من استقرار الجزائر، يتملك نظرة ثاقبة متعددة الزوايا والأركان، لسياق جيوسياسي إقليمي ودولي، مطبوع بالقلق والتوجس والتوتر، يجعل من تطبيع العلاقات بين الرباط والجزائر، خيارا لا محيد عنه، استحضارا ليس فقط، للتحديات المشتركة، بل واعتبارا ما للتعاون البيني، من إسهام في تطوير القدرات، وتوحيد المواقف، وإعادة الحياة لاتحاد مغاربي، يمكن أن يشكل إذا ما تحركت عجلاته، جبهة اقتصادية وسياسية ودبلوماسية، قادرة الترافع عن القضايا والمصالح المغاربية، بما يلزم من الجرأة والحزم والواقعية، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع بلدان الجوار الأوربي؛
ما عبر عنه الملك محمد السادس في خطاب العرش بخصوص العلاقات المغربية الجزائرية، هو مكسب جديد للدبلوماسية المغربية التي تستلهم قوتها من حضارة عريقة، وتستمد خيطها الرفيع من رؤية ملكية متبصرة، دافعة في اتجاه تعدد الصداقات والشراكات بما يخدم المصالح العليا والاستراتيجية للوطن وقضاياه المصيرية، ونرى أن الأبواب مفتوحة أمام الجزائر، لتنضم إلى قائمة أصدقاء وشركاء المملكة، إذا ما أرادت طي الصفحة والنظر إلى المستقبل بمنظور الثقة والأمل، لما فيه خير للشعبين الشقيقين الجارين المغربي والجزائري، لكن لابد لها، أن تدرك أولا، أن قضية الصحراء الغربية المغربية، هي “نظارة المغرب على العالم” و”معيارا لقياس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، وتدرك ثانيا، أن رهانها الأعمى على أطروحة الوهم والسراب، لن يزيدها إلا بؤسا وعزلة، ولن يزيد المغاربة إلا ارتباطا بوحدتهم الترابية من طنجة إلى الكويرة، ولن يزيد المملكة إلا إصرارا في كسب المزيد من الصداقات والشراكات؛
ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال، فاليد الممدودة للملك محمد السادس، هي هدف دبلوماسي في مرمى النظام الجزائري الذي يجر خلفه تاريخا زاخرا من الحقد والعداء للمغرب ووحدته الترابية، ورسالة مفتوحة موجهة إلى المنتظم الدولي، مفادها أن المغرب على أتم الاستعداد والجاهزية، لبناء علاقات جديدة مع الجارة الجزائر، مبنية على المسؤولية والاحترام والصداقة وحسن الجوار، والقيادة الجزائرية، مطالبة ليس فقط، بالتفاعل الإيجابي مع اليد المغربية الممدودة أمامها، بل واستعجال مد جسور تواصلية مع المملكة، بدون خلفيات مسبقة، تدفع في اتجاه الطي النهائي لملف النزاع المفتعل حول الصحراء الغربية المغربية، واتخاذ موقف مسؤول وحازم بخصوص جبهة الوهم والسراب، والانخراط الواعي والمتبصر في الارتقاء بمستوى العلاقات المغربية الجزائرية، من أجل مستقبل آمن ومستقر ومزدهر، لشعبين شقيقين يجمعهما أكثر مما يفرقهما، غير هذا سيبقى الشعب الجزائري، رهين “صعاليك”باتوا يشكلون “لعنة”، لـن يأتي منها إلا البؤس والحقارة والخراب، واستنزاف المزيد من الموارد والخيرات…، أما الصحراء فهي حرة آمنة في مغربها، والمغرب فخور بصحرائه، مهما حسد الحاسدون وحقد الحاقدون وتربص المتربصون…