الألباب المغربية/ رشيد اخراز- جرادة
بمدينة جرادة، تنبض حكاية تختلط فيها الكرامة باليأس والحياة بالموت، حيث لا تزال معاناة شباب المدينة ترسم صورة قاتمة لواقع “الرغيف الأسود”، وهو الإسم الذي بات يطلق على خبز الفحم الحجري، الذي يدفع ثمنه شباب في مقتبل العمر، بأرواحهم وأجسادهم المنهكة.
تحولت مدينة جرادة إلى منطقة منسية، لا مشاريع تنموية، ولا فرص عمل حقيقية.
شبابها، الذين وُلدوا في زمن الشهادات الجامعية والبطالة الجماعية، لم يجدوا سوى “الساندريات”، أو المناجم العشوائية، مصدراً وحيداً للعيش، ولو كان ذلك تحت أطنان من الصخور، وفي ظلمات لا يخرج منها البعض أحياء.
لا تملك جرادة اليوم سوى أحلام معلّقة على الجدران، ووجوه شاحبة تكسوها طبقات من الفحم. شباب يموتون في صمت، أو يحترقون في أعماق الأرض بحثاً عن قوت يومهم. كثير منهم لم يتمّ بعد عقده الثاني، ولكنهم يجرّبون قسوة الحياة كما لا يجب لأحد أن يجرّبها.
كم من أم ودّعت ابنها صباحاً ولم يعد؟
وكم من زوجة صارت أرملة في عزّ شبابها؟
وكم من طفل بات يتيماً، لا يعرف عن والده سوى صورة معلّقة وقصة حزينة تُروى على عتبة الفقر؟
ما يحدث في جرادة ليس قدراً محتوماً، بل سياسة إقصاء وتهميش عمرها سنوات، ومطالب مرفوعة منذ زمن دون آذان صاغية. خرج الشباب إلى الشارع غير مرة، صرخوا، اعتصموا، ورفعوا لافتات تطالب بالبدائل، بالكرامة، بالعيش… لكن الرد كان في كثير من الأحيان التجاهل
ليس من المقبول أن تكون حياة الإنسان أرخص من كيس فحم، وليس من المعقول أن يتحول الحلم إلى كابوس في مناجم الموت.
جرادة لا تطلب المستحيل… تطلب فقط أن تعيش، أن يجد شبابها فرصاً فوق الأرض لا تحتها، أن تزرع الأمل في قلوبٍ أنهكها الانتظار، وأرواحٍ اختنقت برائحة الفحم والغبار.
فهل من مُجيب؟ هل من قرار يُعيد لجرادة شبابها، ويمحو من الذاكرة مآسي الرغيف الأسود؟ أم أننا سنكتفي، كالعادة، بالحداد، والنسيان؟