الألباب المغربية
تحوّلت مؤخرا وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات إلى حلبة صراع سياسي وإداري بين الوزير يونس السكوري وكاتب الدولة المكلف بالتشغيل هشام الصابري، في مشهد يُسلّط الضوء على أعطاب بنيوية أعمق تعاني منها بنية حكومة أخنوش، خاصة في ما يتعلق بتوزيع الاختصاصات وتداخل الولاءات الحزبية مع منطق التدبير العمومي.
القضية التي كانت لوقت طويل محصورة في الكواليس، تفجّرت مؤخرًا إلى العلن بعدما كُشف أن الوزير السكوري لم يُفوض أي صلاحيات إلى كاتبه في الدولة، رغم مرور حوالي سبعة أشهر على تعيين هذا الأخير.
بل إن هشام الصابري لا يتوفر حتى على مقر رسمي لمزاولة مهامه، ما اضطره إلى العمل من داخل المديرية الجهوية للوزارة في الرباط، لكن ما يبدو لأول وهلة خلافًا إداريًا بسيطًا، يخفي في جوهره أزمة عميقة تتجاوز الأشخاص والمؤسسات، وتمس في العمق مفهوم “العمل الحكومي المنسجم”.
المفارقة الكبرى في هذه القضية أن الصراع لا يجري بين وزيرين من تيارين مختلفين، بل بين عضوين داخل نفس الحزب، حزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما يكشف هشاشة التوافقات الداخلية داخل الأحزاب المشكلة للحكومة، ويضعف منطق الانسجام حتى داخل الفضاء الحزبي الواحد.
غياب التنسيق بين السكوري والصابري يعكس تضاربًا في المصالح، حيث يبدو أن كل طرف يتحرك وفق حساباته الشخصية والحزبية، في غياب تصور مؤسساتي واضح لتقاسم المهام، ما جعل الوزارة تُدار برأسين متنافرين، وأدخلها في حالة شلل تدريجي، خصوصًا في ملفات بالغة الحساسية مثل إصلاح جهاز مفتشي الشغل أو تنزيل التزامات الحوار الاجتماعي.
تداعيات هذا الصراع لا تقف عند حدود الوزارة، بل تمتد لتؤثر على علاقة الدولة بالشركاء الاجتماعيين. إذ بدأت النقابات تُستدرج بدورها إلى ساحة الصراع، حيث يسعى كل طرف إلى كسب “شرعية اجتماعية” عبر التقرب من المركزيات النقابية، ما يُفرغ الحوار الاجتماعي من محتواه التفاوضي، ويحوّله إلى أداة في معركة داخلية.
إن استمرار هذا الوضع يكرّس صورة حكومة عاجزة عن حل خلافاتها الداخلية، ويضرب في العمق مبدأ المسؤولية الجماعية. كما يكشف عجز الأحزاب عن إنتاج نخب قادرة على تجاوز منطق التنازع الشخصي لصالح رؤية مؤسساتية موحدة.