الألباب المغربية/ يونس المنصوري
ليس من السهل أن أجلس لأخطّ هذه الكلمات، وليس من الهيّن على النفس أن تستوعب خبرًا كهذا: طفلةٌ في عمر الورد، تُضرب في وجهها ضربًا شنيعًا، يُمزق جلدها كما يُمزق القماش الرخيص، فتغادر ساحة مدرستها – التي يُفترض أن تكون موئل الأمان – وهي تحمل ستًّا وخمسين غرزة في وجهها الغضّ، لا لتكون أثرًا طبيًّا، بل وصمةً على جبين مجتمع بأسره.
ثم تأتي الكارثة الأخرى، لا من الفاعلة، بل من “العدالة”.
شهران فقط كانت كافية في نظر القضاء لطيّ صفحة تلك الهمجية، وكأن الجراح تندمل بالأيام، لا بالإنصاف.
والأدهى من ذلك، أن المعتدية خرجت بعد انقضاء مدّتها، لتُطلّ علينا عبر بثّ مباشر، لا لتُظهر الندم، بل لتُعيد التهديد، وكأننا في وطنٍ تُستباح فيه الكرامة، وتُعلّق فيه هيبة الدولة على شماعة “الاستثناء”.
إنّ ما جرى ليس حادثًا معزولًا، بل هو تجلٍّ لما ترسّخ في مجتمعنا من تآكل للقيم، واختلال في الموازين، وصمتٍ غير مبرّر تجاه الانحدار.
فالمؤسسات التربوية لم تعد حضنًا للتنشئة، بل ساحات للصراع، والأسر لم تعد قلعة للقيم، بل أصبحت منشغلة بلقمة العيش أو بهوامش الحياة.
أما الإعلام، فغارق في صناعة النجوم الزائفة، متغاضٍ عن المآسي الحقيقية.
لقد أصبحنا نطبع مع القبح، نهادن العنف، ونتسامح مع الانحراف.
فهل نسينا أن الطفلة التي شُرمل وجهها، ليست إلا ابنة هذا الوطن؟
وأن كل غرزة في وجهها، ما هي إلا طعنة في جسد الضمير الجمعي؟
وأن السماح للجلّادة بالخروج والتهديد، لا يهدد الطفلة وحدها، بل يهدد فكرة العدالة من جذورها؟
أنا لا أكتب اليوم لألوم، بل لأشهد، أشهد على زمنٍ صار فيه الاعتداء بطولة، والصمت حكمة، والسكوت مشاركة في الجريمة.
أكتب لأنّ ما حدث يجب ألا يمرّ، لأن هذا الجرح ليس فرديًا، بل وطنيّ.
أكتب لأنّي أرفض أن أرى ابنتي، أو ابنة جاري، أو أي طفلة أخرى، تتعرض لما تعرضت له تلك المسكينة، فيظلّ الجاني حراً، باسم القانون أو بفضل العلاقات.
لسنا بحاجة إلى مسكّنات، نحن بحاجة إلى ثورة قِيَمية، تربوية، قضائية، وإعلامية.
ثورة تعيد الاعتبار للكرامة، وتضع حدًا للاستهتار، وتُرسّخ مبدأ أن لا أحد فوق القانون.
لأن الوطن الذي لا يحمي أبناءه، يُدرّس أبناءه الخوف.
والوطن الذي يتسامح مع العنف، يربّي على الهمجية.
والوطن الذي يخيط وجوه ضحاياه، ولا يخيط جراح العدالة… وطنٌ ينزف.