الألباب المغربية/ أمنية الإدريسي
لا يختلف اثنان عن الإنجازات الكبرى التي حققتها الديبلوماسية المغربية خلال السنوات الأخيرة، إنجازات يعترف بها العدو قبل الصديق.
بعد 32 سنة من الغياب، وبالضبط في 17 يوليوز 2016 قرر جلالة الملك حفظه الله، عودة المغرب إلى “الاتحاد الأفريقي”، منهيا بذلك سياسة “المقعد الشاغر”. كان الهدف قبل كل شيء إنهاء “شطحات البوليساريو البهلوانية” التي كانت تستغل غياب المملكة الشريفة لترويج خرافاتها داخل مقرات الإتحاد، إنهاء سيطرة الخصوم وتعزيز تموقع المغرب ديبلوماسيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا على مستوى القارة.
بعد ثماني سنوات من عودة المملكة إلى حضن “أمنا أفريقيا”، ضيقت الخناق على “عصابة البوليساريو” ومن يواليها طمعا في دولارات نظام عسكري بلا تاريخ ولا أفق، اقتحمت معاقل قيادة الرابوني فنجحت في تحييد مواقف دول كانت آذانها لا تلتقط سوى أسطوانات “العصابة” و”الكابرانات”، وصولا إلى مأسسة “سياسة القنصليات” التي راكمت إلى اليوم عشرات التمثيليات الديبلوماسية بكل من العيون والداخلة، 30 منها لدول أفريقية شقيقة.
في قمة الاتحاد الأفريقي بنواكشوط سنة 2018، نجح المغرب في حصر معالجة النزاع المفتعل في الأمم المتحدة فقط، بعدما كانت فضاءاته ساحة لمحاولات التضييق على وحدتنا الترابية، قبل أن يتمكن المغرب من تعبئة عدد من المسؤولين الأفارقة، منهم رؤساء دول، وقعوا على “نداء طنجة” الذي دعا إلى طرد عصابة البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، في وقت استطاعت فيه المملكة الشريفة نيل رضا ثلثي دول القارة، لم تعد تعترف بالكيان الوهمي.
لن نتحدث عن المبادرة الأطلسية وأنبوب الغاز النيجيري المغربي، وتربع المغرب على رأس الدول المستثمرة في القارة (ثاني مستثمر)، لأن المكاسب والانتصارات التي سجلها المغرب لصالح شعوب القارة، ولصالح قضيته الوطنية ومصالحه العليا، لا تعد ولا تحصى.
أمام كل المكاسب العظيمة التي نالها المغرب، جاءت معركة صغيرة تتعلق بانتخاب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، حاولت “المرادية” جعلها شجرة انتصار تخفي غابة كثيفة من الانهزامات والانكسارات، هتافات وتبادل قبل وبهرجة مفهومة، ردود أفعال ليس لها سوى تفسير واحد: قوة المغرب وعظمة مكاسبه، إلى درجة يصير فيها اختطاف معركة صغيرة بالمال الفاسد، معجزة بالنسبة لمن يؤمن في قارة نفسه بأن المغرب قوة لا تقهر، وهي بالفعل لا تقهر.
إن أية محاولة لقراءة نتائج انتخاب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، كهزيمة للمغرب، قراءة سطحية لا تنسجم مع واقع الحال، فالمغرب بالإضافة إلى نجاحه في فرض انتخاب رئيس مفوضية فتح قنصلية بلاده بصحرائنا، والسيطرة على ثالث أهم منصب في هياكلها، بالإضافة إلى أكثر من 30 مسؤولا مغربيا في هياكل الاتحاد الأفريقي، لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نعتبره خاسرا في معركة هامشية تعد مركزية فقط لمن ألف الانتكاسات في المعارك الكبرى. ولن ننسى هنا غياب ست دول داعمة للمغرب عن عملية الإقتراع.
الديبلوماسية حرب من أجل المصالح، والحرب معارك بلا نهاية، حتى وإن افترضنا أنك قد خسرت معركة، فهي لن تكون أكثر من ذرة وسط بحر من الانتصارات، فكل المؤشرات تؤكد ربح المغرب للحرب في النهاية، والمكاسب واضحة ومتينة أمام هشاشة نظام عسكري ينتشي بمهرجان فلكلوري في منظمة صار داخلها بدون هيبة منذ عودة المغرب إلى حضن الاتحاد. ينتشي وكأنه لمس للتو بيده وهما وهو غارق في واد، فاعتقد أنها فرصة لإنقاذه، لكن غرقه أمر حتمي.
الحرب في النهاية لا تحسم بالفوز بمنصب هامشي، بل بنسج تموقع قوي ونفوذ مستدام داخل القارة الأفريقية، من خلال مقاربة تنموية وتضامنية متينة، في مقابل “بهرجة” نظام مهزوم يرتمي في السحاب معتقدا أنه ماء.