الألباب المغربية/عزيز لعويسي
الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء المظفرة، كان امتدادا بدرجات ومستويات مختلفة للخطب الملكية التي تناولت قضية الوحدة الترابية للمملكة خلال السنوات الأخيرة، ومنها على الخصوص، الخطاب الملكي السامي الموجه إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشر، الذي كشف من خلاله جلالة الملك محمد السادس، ما طال ملف الوحدة الترابية من متغيرات، قوامها المرور من “مرحلة التدبير” إلى “مرحلة التغيير داخليا وخارجيا”، ومن “مقاربة التدبير” إلى “أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية”، والخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة، بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، الذي أكد فيه جلالته أن “ملف الصحراء هو “النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، وذاك “المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”؛
مما يقوي الانطباع أن ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية يتجه نحو الطي النهائي، بعد أن نجح المغرب منذ ملحمة المسيرة الخضراء الخالدة، من “ترسيخ واقع ملموس وحقيقة لا رجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية والالتزام بالمسؤولية”، وهذا الوضع الشرعي والطبيعي، بات مدعما حسب ما ورد في خطاب المسيرة الخضراء، بثلاث ركائز محورية، ويتعلق الأمر ب:
- “تشبث أبناء الصحراء بمغربيتهم، وتعلقهم بمقدسات الوطن، في إطار روابط البيعة، القائمة عبر التاريخ، بين سكان الصحراء وملوك المغرب”؛
- “النهضة التنموية، والأمن والاستقرار، الذي تنعم به الصحراء المغربية”؛
- “الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، والدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي”؛
مقابل هذا العالم الواقعي الشرعي والطبيعي، يحضر عالم آخر، منقطع تماما عن الواقع والحقيقــة، لازال رهيـن الأحلام والأوهام والضغائن والفتن ما ظهـر منها وما بطن، في إشارة واضحة إلى نظام العداء الخالد بالجزائر، الذي لايختلف اثنان، في كونه هو الطرف الأساس في النزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية، وهو مغذيه ومحركه وحاضنه وراعيه الرسمي؛
نظام شرير، لازال يؤمن، رغم ما يعيشه النظام العالمي من متغيرات جيوسياسية واستراتيجية، وما شهده العالم منذ نهاية الصراع الحاد بين الشيوعية والرأسمالية، لازال يؤمن بأطروحات بالية تجاوزها الزمن، ويتشبث كالغريق، بشعارات بئيسة، تعكس عقلية متهورة مشحونة بكل مشاعر الحقد والضغينة والعداء والتهور و”قلة الحياء”، من قبيل “الاستفتاء” و”تقرير المصير” و”تصفية الاستعمار” و”الشعب الصحراوي” و”الجمهورية الصحراوية”، وهذه الأحلام والأوهام، بقدر بؤسها وفقرها وانحطاطها، بقدر ما هي عصب حياة، نظام فاشل، لا شرعية ولا مشروعية له، خـارج دائـرة “العداء المروكي”؛
جلالة الملك محمد السادس، بقدر ما كان واضحا وحازما مع هذا النظام الأرعن، لما يحمله من أحلام وأوهام، وكاشفا لحقائق استغلاله لقضية الصحراء، بقدر ما أبقى على اليد الممدودة قائمة، مراعاة للأخوة والدين وحسن الجوار والتاريخ والمصير المشتركين، بدعوة كل من يستغل قضية الصحراء، “للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي”، أو “ليغطي على مشاكله الداخلية الكثيرة”، أو “من يريد الانحراف بالجوانب القانونية، لخدمة أهداف سياسية ضيقة”، بالانخراط في المبادرة الدولية التي أطلقها جلالته، والرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في “إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة”، موضحا ومؤكدا في هذا الإطار، أن “الشراكات والالتزامات القانونية للمغرب، لن تكون أبدا على حساب وحدته الترابية، وسيادته الوطنية”، كما ورد في خطاب الذكرى المجيدة؛
لكن على ما يبدو، فسياسة اليد الممدود ة، لم تعد تنفع أو تجدي، أمام جار مريض، وصل إلى حالة متقدمة وحرجة من “المرض المروكي”، وبات حاله، كحال المدمن الذي سكنه “الكحول”، ولم يعد أمامه من خيار، سوى الاستمرار في معانقة “الخمرة المعتقة”، للإبقاء على حبل النجاة قائما، أو مواجهة الموت الوشيك، أو كحالة ذلك “الأحمق” المرفوع عنه القلم، الذي هجرت لسانه كل الكلمات، وبات طوافا بين الشوارع والأزقة والدروب، كلما اقترب منه شخص، إلا ونطق “المروك”..”المروك”..”المروك”، ولاذا بالفرار كالفأر المذعور؛
جلالة الملك محمد السادس وجه بذات المناسبة، رسالة واضحة للأمم المتحدة، محملا إياها المسؤولية كاملة، فيما يجري أمام أنظارها من تصرفات عدائية جزائرية، مهددة للأمن والسلم الإقليميين، ومعرقلة لما تتطلع إفريقيا من وحدة واستقرار وبناء ونماء، مطالبا منها أن “توضح الفرق الكبير، بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته”، وهذه الرسالة غير المسبوقة، معناها أن المغاربة قاطبة، يئسوا من هذا النظام البئيس، وفقدوا فيه الأمل، في أن “ينعل الشيطان” و”يقطع مع عاداته وطباعه القبيحة”، ويستمع ولو مرة، لنداء الحكمة والعقل، وصوت الأخوة والدين والجوار، وهمسات التعاون والمصالح المشتركة؛
المكاسب الدبلوماسية التي حققها المغرب منذ أزمة الكركرات، آخرها الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه من قلب البرلمان المغربي، والموقف الأخير لمجلس الأمن الدولي بخصوص قضية الوحدة الترابية، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، بعدما ختم ولايته السابقة أواخر سنة 2020، باعتراف أمريكي غير مسبوق بمغربية الصحـــراء، كلها اعتبارات من ضمن أخــرى، تفسر حالة السعار والتهور التي وصل إليها هذا النظام الأحمق، الذي يتجه على ما يبدو،لجر المنطقة نحو حرب ليست في مصلحة أحد، إذا ما استحضرنا الاعتداء الإرهابي الأخير الذي طال منطقة المحبس المغربية، وقبلها مدينة السمارة، وفي هذا الإطار، فالمغرب بكل ما أوتي من حكمة وتعقل وانضباط، يكتفي بإشهار سيف “التبندير” في وجه المتهورين والمغفلين، الذين يتم إرسالهم إلى خطوط الموت، بإيعاز من عصابة تندوف، ومن يحتضنها و يتحكم في أزرارها في النظام الكابراني، وإذا ما تجرأ هؤلاء البائسون، الذين يكتفون بتحريك “دمية البوليساريو” من وراء حجاب، وأقدموا على عمل عدواني مباشر ضد المغرب ووحدته الترابية، حينها سيتم القيام بما يقتضيه حق الدفاع المشروع عن النفس، من تأديب وردع وتقليم أظافر”؛
الرسالة الملكية الموجهة إلى الأمم المتحدة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، لابد أن توازيها تحركات دبلوماسية على أكثر من مستوى، دافعة ليس فقط، في اتجاه فضح حقيقة هذا النظام المتهور، وما يشكله بمخططاته وأوهامه البئيســـة، من تهديد للسلم الإفريقي، وتأثير على ما تتطلــع إليه إفريقيا من وحدة واستقرار وإقـلاع تنموي، بل وحشد الدعم الدولي، ما يفضي إلى إعلان مرتزقة تندوف، جماعة إرهابية، مهددة للأمن والسلم الإقليميين، قياسا لما قامت به من أعمال إرهابية جبانة ضد المغرب ووحدته الترابية، واعتبارا لتداخلاتها مع عدد من الجماعات الإجرامية والمتطرفة النشيطة في منطقة الساحل والصحراء، وأية خطوة من هذا القبيل، من شأنها فضح نظام الشر أمام المنتظم الدولي، كحاضن للإرهاب وراعي رسمي له، والأسرة الإفريقية، لا يمكن البتة، أن تكتفي بالفرجة أو لعب دور الكومبارس، فلابد لها أن تتحــرك وفق الوسائل القانونية والدبلوماسية المتاحة، من أجل طرد الكيان الوهمي من الاتحاد الإفريقي، من أجل إفريقيا موحدة ومستقرة وآمنة ومزدهـرة؛
استمرار نظام الشر في إنتاج سياسة العداء اتجاه المغرب ووحدته الترابيـة، وتماديه في الاستفزاز والعدوان عبر صعاليك تندوف، يفرض اعتماد استراتيجية جديدة، تبقي على اليد ممدودة، جنبا إلى جنب العصا الرادعة “لمن يعصى”، سواء عبر التصدي الحازم والصارم لكل المناورات البئيسة والاعتداءات الجبانة، أو عبر مواجهة العدو بنفس أدواته الشيطانية، ونقصد هنا، إمكانيـة تحريك ملف “الشعب القبائلي”، استنادا إلى “إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية”، وفتـح ملف “الصحراء الشرقية المغربية”، استثمارا للشراكة الاستثنائية التي باتت تربط الرباط ببــاريس، والتي من شأنها الدفع في اتجاه الكشف عن الكثير من الوثائق الأرشيفية، المثبتة لمغربية هذه المنطقة، التي تم اقتطاعها تحت القوة والإكراه، في سياقات تاريخية، كان المغرب يعيش فيها بين فكي الإمبريالية العالمية، وما ترتب عنها من استعمار ظالم؛
بقيت الإشارة، إلى أن الاعتداء الأخير الذي طال منطقة المحبــس، هو جريمة إرهابية بكل المقاييــس، مهددة للسلم الإفريقي، والأمم المتحدة وخاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، لابد لها أن تتحمل مسؤولياتها كاملة، ليس فقط، في إدانة إرهاب البوليساريو وإحكام الخنـاق على حاضنه الرسمي، بل واتخاذ التدابير القانونية الكفيلة بالطي النهائي لملف النــزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وأي تردد أو تقاعس أو تأخر في هذا الاتجاه، لـــن يكون، إلا تطبيعا مع الجريمة والتطرف والإرهاب، ومساسا بالأمن والسلام في قــارة إفريقية، عانت كثيرا من نعرات التشرذم والانفصال والانقلاب وعدم الاستقـرار، ولم تعد تحتمل المزيد من العبث والتهــور والاندفاع والدسائس والفتن، كما يصنع النظام العدائي بالجزائرالذي بات بتهوره وقلة حيائه، مصدر تهديد للأمن والسلم الإقليمييــن، في سياق جيوسياسي إقليمي ودولي، يعيش فيه العالم حالة من القلق والتوتر والتوجس، تقتضي التعقل والانضباط والمسؤولية والواقعية، والجنـــوح الذي لامحيد عنه، نحو الأمن والسلام والاستقرار والتعاون والعيش المشترك.